على ذلك الاستصحاب المفيد ؛ لأنّ خطاب أكرمه الفعلي غير مجعول إذا شككت ، بل هنا حكم واحد في موضوع الشكّ ، فيرجع الأمر بالأخرة إلى أنّ هنا أصلين ، أحدهما يقول: هذا العصير المغلى مثلا حلال إذا شككت ، والآخر يقول : حرام إذا شككت ، فيكون مثل ما إذا كان من أثر طهارة الماء طهارة الثوب إذا شكّ في طهارته ؛ إذ لا شبهة في عدم الحكومة حينئذ ، لعدم الناظريّة لأحدهما على الآخر.
إن قلت : هذا بالنسبة إلى الحرمة متين ، وأمّا بالنسبة إلى رفع الحليّة فلا ، لأنّه من باب المضادّة ، وليس حكما في حال الشكّ.
قلت : لا يفرق الحال من هذه الجهة بين الحرمة وعدم الحليّة ؛ لأنّا نقول : مفاد القضيّة الاستصحابيّة التعليقيّة أنّه إذا شككت في أنّ الزبيب إذا غلى حرام أو حلال فاستصحب حكمه السابق ، وهو أنّه إذا غلى يحرم ولا يحلّ ، فكلّ من يحرم ولا يحلّ وارد في موضوع الشكّ فيه. فالحاصل بالأخرة أنّ مفاد أحد الأصلين أنّه يحلّ ولا يحرم إذا شككت ، ومفاد الآخر أنّه يحرم ولا يحلّ إذا شككت ، وليس بين هذين حكومة ، هذا.
والذي اختاره شيخنا الاستاد دام بقاه في دفع إشكال المعارضة هو اختيار طريقة اخرى غير الحكومة المصطلحة ، وهو أن يقال : الحكم وإن كان قبل الشرط وبعده واحدا ، فلهذا ليس هنا مناط الحكومة ، ولكن مع ذلك لا شكّ أنّه يحدث لنا شكّ آخر عند حدوث الغليان غير الشكّ الذي كان قبل تحقّقه ، فإنّه قبل تحقّقه كنّا نشكّ في ثبوت الحكم التعليقي فيه وارتفاعه ، ولكن لا نشكّ في الشرب الخارجي ، وأمّا بعده فمضافا إلى ذلك الشكّ نشكّ أيضا في أنّ هذا الشرب حرام فعلي أولا؟ والحرمة وإن كانت نفس الحرمة المشكوكة السابقة ، لكن صفة الفعليّة مشكوك حادث ، وكانت في السابق مقطوع العدم.
ومنشأ هذا الشكّ الثاني هو الشكّ الأوّل ؛ لأنّ الفعليّة من آثار وجود الحكم المعلّق ، فيندرج تحت قاعدة تقدّم الأصل الجاري في المنشأ على الجارى في الناشئ ، ولو لم يرجع إلى الحكومة المصطلحة ، ويأتي تفصيله إن شاء الله تعالى في محلّه.