منزّلة بقرينة حكمة الشارع على المصاديق العرفيّة دون الدقيّة ، فإنّ القضايا الملحوظ فيها وجود الطبيعة بنحو السريان حال العنوان فيها حال «هؤلاء» في كونه إشارة إلى الأفراد ، ومحطّ الحكم نفس الأفراد ، غاية الفرق أنّ الحكم في مثل هؤلاء يمكن أن يكون بملاكات عديدة ، وأمّا هنا فالظاهر أنّه في الجميع بملاك واحد وهو وجود العنوان فيها.
وإذن فنقول : إمّا يلحظ الشارع بتوسّط العنوان المصاديق الواقعيّة ، ويجعل نظر العرف طريقا ، وإمّا يضيّق العنوان تارة ويوسّعه اخرى ، مثل أن يقيّده بقيد العرفي ، وإمّا ينزّل نظره ويصير بمنزلة أحد من العرف ويتكلّم مع العرف بلسانهم ، نظير من يتكلّم مع أهل بلدة كلّهم إلّا نادرا أحول يرى الواحد اثنين ؛ فإنّه في تفهيم مراده يتكلّم معهم بلسانهم ويشير إلى الواحد ويقول : يا هذا ايتني بهذين الاثنين.
وليس هذا منه تصرّفا في لفظ اثنين واستعمالا له في غير معناه ، بل هو سنخ المجاز السكّاكي ، غاية الأمر كان التنزيل والتصرّف هناك في الشيء الخارجي المطبق عليه العنوان ، ويكون هنا في نظر المتكلّم ، فيجعل نفسه أحولا ثمّ يتكلّم مثل الأحول بلا تصرّف ، لا في الكلمة ولا في الإسناد ولا في الأمر العقلي.
ثمّ المتعيّن من بين الوجوه الثلاثة هو الأخير ؛ لأنّه المحفوظ عن المحذور ، بخلاف الأوّلين ، أمّا محذور الأوّل فهو أنّه في مقام التفهيم ما اتي بشيء مفهم للمقصود ، بل اتي بما يدلّ على خلاف المقصود في بعض الموارد ، وذلك للعلم بتخلّف نظرهم نوعا عن الواقع ، وأمّا الثاني فهو تصرّف في اللفظ على وجه بارد ، فيدفعه ظاهر اللفظ ، فتعيّن الثالث ، ولازمه عدم رجوع أحد من العرف لو اتّضح له الواقع عن الحكم ؛ لأنّه وإن كان يصدّق عدم مصداقيّة المورد ، ولكن يحكم بكونه مصداقا لموضوع حكم الشارع بالدقّة ، أو أنّه مع كونه مصداقا للعنوان ليس بمصداق لموضوع الحكم كذلك.
إذا عرفت ذلك فنقول : من جملة الخطابات قول الشارع : «لا تنقض اليقين بالشكّ» ولو قال واحد من أهل العرف هذا الكلام لآخر لا شبهة أنّه يعامل على نحو ما مضى في الوجه الثالث من عدم الاعتناء بالموضوع الدليلي ولا العقلي ، وإنّما