يلاحظ أنّ المشار إليه المحفوظ في أيّ موضع تحقّق وفي أيّ موضع غير متحقّق ، فيعمل القاعدة في الأوّل دون الثاني ، هذا.
تذييل : وإذ قد عرفت أنّ المتّبع هو العرف فاعلم أنّ العرف يختلف نظره ، فتارة يرى المشار إليه محفوظا واخرى يراه مرتفعا وأنّ الموجود فعلا مباين معه ، وعلى الأوّل تارة يجزم بالحكم بعد زوال العنوان بنفس الدليل من غير حاجة إلى الأصل ، واخرى لا يجزم ، بل يحتاج في حكمه ببقاء الحكم إلى الأصل المقتضى للبقاء ، فهذا ثلاثة أقسام.
مثال الأوّل ـ أعني ما كان المشار إليه محفوظا ورأى بقاء الحكم بنفس الدليل ـ مثل قولك في الحنطة المغصوبة : هي حرام على الغاصب ، فإنّه يحكم ببقاء الحرمة على ذات الحنطة في أيّ صورة دخلت من الدقيقيّة والعجينيّة والخبزيّة.
مثال الثاني هو هذه الصورة مع الاحتياج في الحكم بالبقاء إلى الاستصحاب ، مثل ما تقدّم من مثالي الماء المتغيّر والعنب.
مثال الثالث نحو ما إذا صار الخشب رمادا ، فإنّهم يحكمون بأنّهما وجودان ، أحدهما صار منشأ للآخر وسببا لتوليده ، ونظير الأب والابن ، وكما في الماء والسماد الغائرين في الأرض ، فيورث الثمر في الشجر المغروس فيها ، فإنّه بحسب الدقّة وإن كان عين ذلك الماء والسماد ، ولكنّ العرف يراهما منعدمين في أعماق الارض ومورثين لاستعداد الشجر لحمل الثمر.
وعلى هذا فنقول : لا فرق بين استحالة النجس والمتنجّس في أنّه متى صارت الاستحالة إلى حدّ صار المستحال منه مبائنا ومعدّا عند العرف لحدوث المستحال إليه ، كما في العذرة يصير دودا ، والخشب يصير رمادا ، فهنا لا مجرى لاستصحاب النجاسة ، بل نرجع إلى إطلاق دليل طهارة المستحال إليه لو كان ، وإلّا فإلى قاعدة الطهارة ، ومتى لم يصل إلى هذه الحدّ ، بل كان عندهم شيء مشار إليه بهذا محفوظا كما لا يبعد أن يكون منه استحالة الجسم النجس أو المتنجّس ملحا ، فاستصحاب النجاسة حينئذ جار في كليهما ، والله العالم.