الواردة في الموارد المخصوصة.
ألا ترى أنّه لو قال قائل : كلّ جسم له خاصيّة ، فليس مراده أنّ الخاصيّة قائمة بعنوان الجسميّة بحيث لو تبدّلت صورته النوعيّة أو الصنفيّة أيضا لم يزل تلك الخاصيّة ، بل المقصود منه إلقاء العموم ، وإلّا فالخاصيّة في كلّ جسم قائمة بصورته النوعيّة أو الصنفيّة ، فمن المحتمل أن يكون الأمر في مقامنا أيضا كذلك ؛ إذ بعد احتمال أن يكون منشأ القاعدة هي هذه الأخبار ، فالمدرك في الحقيقة ليس إلّا تلك الأخبار.
ولو كنّا نحن وهذه الأخبار التي قد وردت في الموارد المختلفة في الثوب واليد والإناء والقربة إلى غير ذلك ، لم يكن لنا استفادة أنّ قوام التنجّس بالملاقاة إنّما هو بعنوان الجسميّة ، نعم الذي كنّا نستفيد هو العموم وعدم الاختصاص بفرد من أفراد الجسم ، وأمّا أنّ القوام بحيث الجسميّة أو بحيث الصورة الفعليّة فليس على شيء منهما دليل ؛ إذ العموم مع كلّ منهما تمام.
وبعبارة اخرى : يمكن أن يكون الأثر قائما بالهيولى القابلة للصور التي ليس إلّا صرف الاستعداد والشأنيّة لقبول الصور ، ويمكن أن يكون للوجود الفعلي الحاصل حال الملاقاة ، ولازم الأوّل بقائه بعد التبدّل ، ولازم الثاني انتفائه ، فإذا تردّد الأمر بين الوجهين فلا دليل لنا عند تغيّر الصورة ، بحيث عدّ الوجود الفعلي عند العرف غير الوجود الفعلي الثابت حال الملاقاة يدلّ على ثبوت التنجّس ، وحينئذ فالموارد بين ثلاثة.
أحدها : ما يستقلّ العرف بنفس الدليل الأوّل ، لعدّهم التغيّر من باب تغيّر الحال ، ولعلّ منه تبدّل الحنطة المتنجسة بالدقيق.
وثانيها : ما يقع فى الشكّ معه ولا يرى للاستصحاب أيضا مجال ، ولعلّ منه تبدّل الماء المتنجّس بولا لمأكول اللحم أو ماء للبطيخ.
وثالثها : ما يقع معه في الشّك من حيث الدليل ولكن يراه موردا للاستصحاب ، ولعلّ منه تبدّل الخشب المتنجّس بالفهم ، كما أنّ هذه الأقسام بعينها موجودة في طرف الأعيان النجسة ، فعلم أنّ الحقّ عدم الفرق ، هذا محصّل ما يستفاد من كلماته