الحكم ثبوتا وعدما والتفاتهم إلى أنّ الكلّ ينتفي بانتفاء جزئه ، والموصوف بما هو موصوف ينتفي بانتفاء واحد من الذات ووصفه يرون في صورة زوال الوصف صحّة إطلاق الانتقاض والارتفاع حقيقة.
فنقول : صاحب المذاق الثاني في فسحة في هذا المقام ، فإنّه يقول : قد ألقى الشارع خطاب «لا تنقض» بالنظر العرفي ، فوقع نظره على هذه الأشياء الموهومة المتخيّلة للعرف كونها نقضا ، مع أنّه لا واقعيّة لنقضيّتها ، فوقعت موردا لحكمه بالدقّة والحقيقة.
وأمّا صاحب المذاق الأوّل فلا مخلص له هنا بالذهاب إلى الاختلاف المفهومي بأن يقول : هنا نقض حقيقي نفس أمري ، ونقض خيالي موهومي والعرف في وضعهم لفظ النقض أخذوا الجامع ممّا يشمل الأفراد الموهومة ، وذلك لأنّا نقطع بأنّ ألفاظ النقض واليقين والشكّ والنسب التركيبيّة الواقعيّة بينها ليس شيء منها محلّ اصطلاح خاصّ لأهل العرف وراء حقائقها النفس الأمريّة ، كما عرفت في مثال الاثنين عند الشخص الأحول العين ، بحيث كان لها حقائق يدركها العقل ، وكان لها مفاهيم يدركها العرف ، وكان بينهما العموم والخصوص المطلقان أو من وجهين ، وإنّما نشأ الاشتباه من نقص الفهم كما نشأ في الأحول من نقص الحاسّة.
تتميم : حكى شيخنا المرتضى قدسسره عن بعض المتأخّرين أنّه فرّق في الاستحالة بين نجس العين والمتنجّس ، فجعل الأوّل طاهرا بعدها دون الثاني ، نظرا إلى أنّ النجاسة فيه غير معلّقة إلّا على عنوان الجسميّة المحفوظ بعد الاستحالة ، وبالجملة ، الموضوع في نجس العين قد زال ، فارتفع النجاسة بارتفاع الموضوع ، وأمّا في المتنجّس فهو محفوظ غير زائل ؛ لأنّه مطلق الجسم من غير مدخليّة صورة من الصور.
وأورد عليه شيخنا المرتضى قدسسره بأنّه وإن كان جسما في بادي النظر ، ولكن دقيق النظر يقتضي خلافه ؛ إذ لم يعلم أنّ موضوع النجاسة في المتنجّس مطلق الجسم ، وأمّا قاعدة «كلّ جسم لاقى النجس برطوبة فهو نجس» فليست مورد خبر ، وإنّما هي معقد الإجماع ، ومن الممكن أنّ المقصود بها الإشارة إلى عموم الحكم لكلّ فرد من أفراد الجسم بلا استثناء شيء منها ، وكانت متّخذة من الأخبار