نعم يقولون : هذا كان كذا ، كما يقولون مشيرا إلى الآدمي : هذا كان نطفة ، لكن محطّ الإشارة عندهم هو الهيولى التي قلنا : إنّه وجود استعدادي ، لا فعلي ، وليس محطّها الوجود الفعلي ، والمعيار في التمسّك بالدليل وتشكيل الصغرى والكبرى إنّما هو الوجود الفعلي بأن أمكننا أن نقول : هذا لاقى النجس ، وكلّ ملاق للنجس نجس ، فهذا نجس ، وهذا منتف مع فرض استحالة الموضوع وتبدّل الوجود الفعلي وعدّه عرفا وجودا مغايرا للوجود الأوّل.
نعم كلام البعض المتقدّم ذكره من الفرق بين النجس والمتنجّس صحيح في بعض الموارد وهو صورة انقلاب العنوان إلى عنوان آخر مع عدم الوصول إلى حدّ الاستحالة وتبدّل الحقيقة العرفيّة وإن كان محلّ كلامه هو الاستحالة ، مثلا إذا علّق الشارع حكم النجاسة العينيّة على عنوان الخمر فزال وتبدّل بالخلّ فالدليل قاصر عن شموله ، نعم لا مانع من الاستصحاب ، وهذا بخلاف ما إذا لم يجعل الخمر نجسا ذاتيّا ، ولكن تنجّس عرضا بالملاقاة ثمّ تبدّل خلّا ، فإنّ الدليل هنا واف بنجاسته من غير حاجة إلى الاستصحاب.
فإن قلت : لو صنع لبن نجس العين سمنا ، فكيف تحكمون بنجاسته مع زوال العنوان عنه بنفس دليل نجاسة الكلب والخنزير.
قلت : وجهه أنّ النجاسة لم يعلّق بعنوان اللبن من حيث إنّه لبن ، بل بالكلب والخنزير والأجزاء المنفصلة منهما ، وهذا وإن صار سمنا لا يخرج عن كونه من الأجزاء المنفصلة منها.
نعم لو كان الحكم في الدليل معلّقا على عنوان اللبن لتوقّفنا عن الحكم بعد صيرورته جبنا أو سمنا ، ولكن لا نتوقّف في اللبن المتنجّس ؛ لأنّ ذلك ليس مغيّر الحقيقة العرفيّة ، بل يعدّ من اختلاف الحالات والطواري مع محفوظيّة الموضوع ، وقد قلنا : إنّ هذا المقدار كاف في دليل المتنجّس.
وحاصل الكلام أنّ الفرق بين النجس والمتنجّس في باب الاستحالة غير صحيح ، وفي باب الانقلاب صحيح بحسب الدليل وإن كان لا فرق أيضا بحسب أصل الحكم بالنجاسة بالأعمّ من كونه بالدليل أو بالاستصحاب.