أيضا فى استصحاب حكم الخاصّ (١)
لا إشكال في عدم حجيّة الاستصحاب مع وجود الدليل الاجتهادي ، لكن لو ورد عام وخرج منه فرد في زمان وشكّ فيه في ما بعد ذلك الزمان فهل يرجع فيه إلى عموم العام ، أو إلى استصحاب حكم المخصّص؟ فيه خلاف بين إمامي الفن المحقّق الثاني والشيخ العلّامة الأنصارى أعلى الله مقامهما ، فذهب الأوّل إلى الأوّل والثاني إلى الثاني.
ولا بدّ أوّلا من تحرير محلّ النزاع ، ثمّ التكلّم بما يقتضيه المجال وعلى الله التوكّل في كلّ حال ، فاعلم أنّه لا كلام في ما إذا كان المخرج يخرج الفرد بالعنوان ، كما لو وجب على كلّ مكلّف الصلاة الرباعيّة ، ثمّ أخرج الدليل المنفصل عنوان المسافر ، فكان زيد يوم الجمعة حاضرا ، ثمّ صار يوم السبت مسافرا ، ثمّ عاد يوم الأحد حاضرا ، فلا شكّ لأحد في أنّ المرجع هو عموم العام دون الاستصحاب.
فمحلّ الكلام ما إذا لم يكن للدليل المخرج اعتبار عنوان ، بل إنّما أخرج ذات الفرد في زمان خاصّ مع السكوت عمّا بعده.
وحينئذ نقول : حال المتكلّم بالعام بالنسبة إلى الزمان لا يخلو من أحوال ؛ لأنّه إمّا أن يلاحظ أجزاء الزمان بنحو التقطيع ، وإمّا يلاحظها بنحو الوحدة والاستمرار وكونه شيئا واحدا وعلى الأوّل إمّا يلاحظ أجزاء الزمان قيودا في الموضوع أو في المحمول ، وإمّا يلاحظها ظروفا للنسبة الحكميّة ، فالأوّل كأن يقول : كلّ عالم في كلّ زمان أكرمه ، بحيث ينظر إلى زيد في يوم الجمعة بنظر وراء النظر إليه في يوم السبت ، والثاني كأن يقول : إكرام كلّ يوم لكلّ عالم واجب ، بحيث جعل كلّ إكرام يوم مصداقا ورائه في يوم آخر ، والثالث كأن يقول : إكرام العلماء واجب في كلّ يوم ، فكأنّه قال : هذه النسبة الانشائيّة يتجدّد كلّ يوم يوم ، فقضيّة يوم الجمعة غير قضيّة يوم السبت وهكذا.
إذا عرفت ذلك فمحلّ الكلام ما إذا لم يكن الزمان بأحد هذه الأنحاء ملحوظا له ، أعني بأنحاء التقطيع بجميعها ، بل إنّما قال : أكرم العلماء مثلا ، فحينئذ إذا خرج زيد
__________________
(١) راجع ص ٥٧٣