للشارع أن يوجب على المكلّفين الاحتياط فيها حتى يرتفع قبح المؤاخذة عليها ، فإنّ قبحه من جهة عدم البيان ، وإيجاب الاحتياط بيان ، فحيث ما أوجب صحّ أن يقال : أنّه رفع المؤاخذة منّة ، غاية الامر أنّ هذا يكون من باب الدفع لا الرفع ، وقد تقدّم أنّ الرفع أعمّ من الدفع.
فإن قلت : ينافي هذا منك ومن الشيخ العلامة مع ما سبق منك ويأتي منه قدسسره من إمكان الاحتياط الطريقي وأنّه لا محالة يكون نفسيّا ، فتكون العقوبة على مخالفته لا على مخالفة التكليف المجهول ، وظاهر الحديث كون المرفوع مؤاخذة نفس ما لا يعلمون.
قلت : يمكن الجمع بين المقامين بما يشهد به بعض كلماته قدسسره في المقام وهو أن يقال: إنّ احتمال التكليف الذي يعلم كونه على تقدير الثبوت اهتماميّا منجّز عند العقل كالعلم ، فيجب الاحتياط بحكم العقل وإرشاده ، فمقصوده قدسسره أنّه أمكن للشارع أن يوجّه تكليف «لا تشرب» مثلا على نحو يظهر كمال جديّته فيه واهتمامه به ، فيصير هذا سببا لاحتياط المكلّف بإرشاد عقله في موارد الشكّ ، لا بمعنى أنّ الحكم الواقعي يسري إلى حالة الشك حتّى يقال : إنّه محال ، بل بمعنى أنّه متى لاحظ نفس الحاكم مرتبة الشكّ فيه بلحاظ ثانوي لا يتمشّي منه الرخصة ، فإيجاب التحفّظ والاحتياط المذكور في كلامه ليس هو الإيجاب الشرعي ، بل الإرشادي العقلي ، فمعنى كون المنشأ بيد الشرع أنّ كيفيّة توجيه التكليف بيده.
وأمّا في الخطاء والنسيان ، فلأنّ بعض أفرادهما لا يكون استنادهما إلى اختيار من المكلّف في مقدّماتها ، وهذه لا إشكال في قبح العقاب عليها عقلا ، وبعض أفرادهما ممّا يكون استنادها إلى قدرة المكلّف واختياره في المقدّمات ، مثل تقصيره في التحفّظ لذكره السابق لينتفع به في مقام الحاجة في اللاحق ، وهذا لا يقبح العقاب عليه بعد إيجاب التحفّظ على المكلّف ويصحّ الامتنان على دفع المؤاخذة عليه بعدم إيجاب التحفّظ ، وإذن فيتعيّن بحكم العقل تخصيص الخطاء و