لأنّا نقول أوّلا : حيثيّة المطابقة تعليلية ، يعني يحكم بالإرادة الجديّة بعليّة مطابقتها للاستعماليّة ، وعلى فرض التسليم فالعقل يحكم بالإرادة الخاصّة ، والشرع ينفي الإرادة المطلقة ، فيحصل التنافي.
ثمّ لا يجري هذا الضابط أيضا في المقام ؛ لأنّ الشارع ما حكم في دليل اعتبار الطريق إلّا بواقعيّة المؤدّى ، ولم يحكم بنفي الشكّ تعبّدا حتى يرجع إلى نفي أحكامه فيجيء فيه التقريب المذكور.
فإن قلت : بعد أنّ لسان التعبّد بالأمارة إنّما هو لسان الإرشاد إلى الواقع فكما أنّ المخبر حقيقة إنّما يخبر بغرض رفع الشكّ بإخباره بأن يحصل العلم الحقيقي فيرتفع الشكّ حقيقة ، أو العلم العادي فيرتفع تعبّدا ، كذلك التعبّد بلسان الإرشاد أيضا ظاهر في كونه بغرض رفع الشكّ تعبّدا ، فهاهنا تنزيلان طوليان ، أحدهما غرض للآخر ، فلا يقال : يلزم اجتماع اللحاظين.
قلت : مضافا إلى أنّه يلزم ترتيب الآثار المترتّبة على صفة اليقين ـ لأنّ غرض المخبر الحقيقي حصوله أيضا ففي التعبّد يكون الغرض هو التعبّد بثبوته ، فيرجع إلى ثبوت آثاره ، ولا تلتزمون به ـ يرد عليه أنّا لو سلّمنا هذا الظهور فإنّما هو في رفع الشكّ بلحاظ ما له من الأثر بالنسبة إلى الواقع ، وأمّا الأثر المترتّب على صفة الاحتمال والترديد فلا ، هذا.
وهاهنا تقريب لورود أدلّة الطرق على أدلّة الاصول وهو أن يقال : إنّ العلم المجعول غاية في الاصول ـ أعني قوله : لا تنقض اليقين بالشك بل تنقضه بيقين آخر ، وكذا قوله : كلّ شيء حلال حتّى تعلم أنّه حرام ، وقوله : كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر ، ونحو ذلك ـ يراد بحسب لفظه ما يقابل الثلاثة من الظنّ والوهم والشكّ ، ولكنّ المناسبة المقاميّة مقتضية لتعميم الحكم إلى غيره من سائر أفراد الحجّة وما يوجب رفع الحيرة عن الواقع.
وذلك بدعوى أنّ الأحكام المعلّقة عند العرف على صفة اليقين يفهمون منها إلغاء هذه الصفة في ترتيب تلك الأحكام وأنّها منوطة بذلك الجامع ، نظير قول