ونقول على حسبه فى هذا المقام أيضا بأنّ العلم والشكّ المأخوذين في دليل الاصول هو وجود الطريق المعتبر وعدمه ، فمتى ورد دليل معتبر أو أمارة كذلك فى مورده ارتفع موضوعه ، وهذا معنى الورود ، فلا وجه للحكومة.
والعجب من شيخنا المرتضى قدسسره حيث إنّه قدسسره مع فرض جعل العلم والشّكّ بمعنى الطريق واللاطريق استشكل في تقديم الأمارة والدليل على الاصول بأنّ التحيّر في حدّ ذاته قبل الأخذ بأحدهما محفوظ ، فما وجه الأخذ أوّلا بالأمارة حتّى يتحقّق الورود ، ولم لا يعكس الأمر ، ولا يندفع مغالطة هذا الكلام إلّا بالحكومة.
هذا ما كنّا نورده عليه أعلى الله مقامه في سالف الزمان ، ولكن الآن نقول : كلامه رفع في الخلد أعلامه في غاية المتانة ونهاية الجودة ، ليس فوقه مزيد.
وحاصل تقريبه أنّ كلّ حكم رتّب على عنوان ولو كان عنوان الشكّ فهو حكم واقعى لهذا العنوان ، فلو اخذ في دليل آخر الشكّ في هذا الحكم موضوعا للحكم كان الدليل الأول مقدّما على الثانى بلسان الحكومة ، ولهذا نقول : يتقدّم الأصل في الشك السببي ولو كان قاعدة الطهارة على الأصل في المسبّبى وإن كان هو الاستصحاب ، والأمارة والأصل كلاهما مشتركان في كون جعلهما مخصوصا بالشاك وغير العالم ، وإنّما الفرق باللسان ، فالموضوع في كليهما واحد ، إمّا هو الشّك بمعنى الصفة ، وإمّا هو التحيّر وعدم الطريق ، فإنّه كما لا وجه لجعل الطريق للعالم ، كذلك لا معنى لجعله لذي الطريق.
فإن جعلنا موضوع الأصل والأمارة كليهما هو الشكّ فنقول : الفرق بينهما أنّ الأصل مجعول في موضوع الشكّ مع حفظه ، وأمّا دليل الأمارة فحاله حال الأخبار ، فهو مجعول بغرض رفع الشكّ غاية الأمر تعبّدا لا وجدانا ، كما أنّ الغرض من الخبر رفعه وجدانا ، وهذه فائدة يترتّب عليه طولا ، فكذلك هذا التعبّد في دليل الأمارة يكون طوليّا بالنسبة إلى التعبّد بأصل المدلول ، فيكون هذا وجه حكومة الأمارة والدليل على الأصل على هذا التقدير.