شكّ من جميع الوجوه ، وعنوان نقض اليقين وجه من الوجوه ، وقد علمت الحرمة بهذا الوجه وإن لم تعلمها بوجه العنوان الأوّلي ، وهذا يكفي في ارتفاع موضوع قاعدة الحلّ ، لأنّه شكّ في الحرمة بجميع عناوين الشيء أوّليا كان أم ثانويّا.
وفيه أنّه إن أراد بالوجه الحيثيّة التقييديّة ، ثمّ تقريب الورود ، حيث إنّه لم يؤخذ في هذا الطرف عنوان غير عنوان الشكّ فحكم الشيء مجهول بجميع العناوين ، وأمّا المأخوذة في الطرف الآخر عنوان من العناوين ، ولكن فيه أنّ الوجه المذكور ليس حيثيّة تقييديّة ، بل تعليلية.
ألا ترى أنّه لو سألك أحد إذا أردت الذهاب إلى المسجد لأن تصلّي الجمعة لحكم الاستصحاب : لم تذهب إلى المسجد؟ فقلت في جوابه : أذهب لأن لا أنقض اليقين بالشكّ ، كان مستهجنا باردا؟ وهذا دليل على أنّ المجعول حكم ظاهريّ في موضوع الشكّ في العنوان الأوّلي ، غاية الأمر بعليّة هذا العنوان ، فنقول في جواب السائل : أذهب لأن أصلّي الجمعة التي أوجبها الشارع بعلّة عدم لزوم نقض اليقين بالشكّ ، فالحاصل عنوان العمل المحكوم بالحكم الاستصحابي ليس إلّا العنوان الأوّلي.
وحينئذ نقول : نحن قد وجّهنا كلامه طاب ثراه في تقريب ورود الأمارات على الاصول بأنّ مراده من الجهة هو التعليلية ، ولكنّ الشكّ المأخوذ في الاصول عبارة عن الشكّ المطلق من جميع الوجوه ، أعني من حيث الاحكام الظاهريّة والواقعيّة وأمّا في الأمارة فحيث إنّ أخذه بحكم العقل مع إطلاق اللفظ ، فيكفيه مهملة الشكّ وشكّ ما ، وهو الشكّ في الواقع ، وهذا المعنى لا يرتفع بالأخذ بالاصول ، وأمّا الشكّ المطلق فهو يرتفع بالأخذ بالأمارة.
وهذا التوجيه غير متأتّ هنا كما لا يخفى ، فإنّ الشكّ معتبر في الدليل اللفظي في كلا الطرفين ، ولا بدّ بناء على المبنى المذكور من جعله بمعنى الشكّ المطلق في كليهما ، وعنوان الموضوع أيضا في كلا الطرفين ليس إلّا عنوان الأوّلي ، والفرق ممحّض في أنّ العلّة للحكم معلومة في أحد الطرفين ، وغير معلومة في الآخر ، ومجرّد هذا لا يجدي شيئا أصلا ، فينحصر المخلص بما ذكرنا من تقريب الحكومة ، والله العالم.