مربوط به ص ٤٧٤ جلد أول
التعليقة ٣ ـ محصّل ما اختاره المحقّق الخراساني بعد ما اختار في الحاشية الجمع بالشأنيّة والفعليّة فرأى أنّ ذلك يوجب عدم تنجيز الأمارات للواقعيات ، فإنّ الوصول من مرتبة الشأنية إلى الفعليّة على هذا لا بدّ وأن يكون بجعل الشارع ، ففي العلم قد استرحنا بواسطة قوله : «الناس في سعة ما لم يعلموا» الذي مفهومه أنّهم ليسوا في سعة متى علموا ، فيستفاد منه أنّ العلم يوصل إلى مرتبة الفعليّة ، فالعلم موضوعي في هذا الأثر ، ولهذا صرّح بأنّ قول الأخباريّة على هذا يمكن تصحيحه بأن يجعل الشارع لبعض العلوم اختصاصا ، ولكن هذا المعنى غير متمشّ في الأمارة لقصور دليل الحجيّة عن شمول هذا الأثر فيكون الشكّ متعلّقا بالشأني مع عدم الوصول إلى الفعليّة ، ومن المعلوم أنّ العلم والشكّ المتعلّقين بالحكم الشأني لا أثر لهما أصلا.
فلهذا عدل عن هذا الطريق في الكفاية وفصّل بين الأمارات والاصول ، فاختار في الاولى أنّ الواقع فعلي من جميع الجهات ، وجعل الأمارة إنّما هو جعل حجيّتها لا جعل الحكم ، واختار في الثانية حيث لا حجيّة مجعولة في البين أنّ الواقع فعليّ بجميع الحيثيات سوى حيثيّة جهل المكلّف وشكّه ومقتضى الترخيص الذي تحقّق فيه.
وبعبارة اخرى : الحكم في ذاته بالغ مرتبة الفعليّة ، والجهل مانع ، لا أن يكون المقتضي في ذاته قاصرا ، فإذا ارتفع تحيّر المكلّف في وظيفته في مقام العمل وعلم بواسطة الحكم الأصلي أنّه الحليّة يصير الواقع على تقدير كونه الحليّة فعليّا قهرا ، وعلى تقدير كونه غيرها يرتفع المضادّة ، لأجل عدم تماميّة فعليّة الواقع.
وبعبارة ثالثة : للحكم ثلاث مراتب ، الاولى : مجرّد الإنشاء المتحقّق بقصد تحقّق المفهوم عند التلفّظ أو الكتابة أو الإشارة ، وهذا كالجسد بلا روح ، والثانية : أن يترقّى من هذه المرتبة وينفخ فيه روح الفعليّة الثابتة بحسب الاقتضاء والسالمة عن المزاحم من جميع الحيثيات غير حيثية الشكّ والترخيص ، فلا فعليّة له من هذه