ويمكن الخدشة في هذا الإشكال الثانى ، وبيان الخدشة يكون ببيان مقدّمات :
الاولى : أنّ ما صار معروفا ومشهورا من أنّ المتيقّن السابق المشكوك اللاحق إذا كان موضوعا فقضيّة «لا تنقض» جعل أثره ، وإن كان حكما فقضيته جعل نفسه ، مثلا لو علم الخمريّة ثمّ شكّ فيها فمدلول لا تنقض هو جعل «لا تشرب» ، ولو علم بتكليف ثمّ شكّ فيه فمدلوله جعل نفس هذا التكليف ، كيف جاز تأدية هذا المعنى المختلف بعبارة واحدة ، وبأىّ وجه يفسّر هذه القضيّة حتّى يصير مدلوله في الموضوع جعل الأثر وفي الحكم جعل النفس ، فما يكون الجامع بين هذين؟ وإلّا فإن لم يكن جامع فمدلول القضيّة إمّا وجوب عدم نقض نفس المتيقّن فلا يشمل إلّا الاستصحاب في الأحكام ، وإمّا وجوب عدم نقض أثره فيلزم اختصاصه بالموضوعات.
فنقول : لا إشكال أنّ هذه القضيّة في مقام إعطاء أمر وإيجاب عمل من المولى بالنسبة إلى العبيد ، ويقتضي وجوب عمل عليهم ، فيكون بالنسبة إلى نفس هذا العمل أمرا وإلى نقضه نهيا ، فالمراد به النقض العملى ، يعنى كلّ عمل كان للمتيقّن فالشاك يجب عليه هذا العمل ويجعله الشارع عليه ، مثلا في حال اليقين بحياة الزيد كان عمل المكلّف أخذ النفقة من مال الزيد وإعطائه زوجته ، ففي حال الشكّ مقتضى «لا تنقض» هو الأمر بهذا العمل ، وكذلك مع اليقين بوجود صلاة الجمعة يكون عمل المكلّف الإتيان بالصلاة ، فقضيّة «لا تنقض» ايت بهذه الصلاة فى حال الشك ففي كلّ من المقامين مدلول الحديث عدم نقض العمل الثابت للمكلّف في السابق ، غاية الأمر أنّ المتيقّن لو كان موضوعا فالعمل السابق ترتيب أثره ، ولو كان حكما فالعمل السابق هو المشي على وفقه ، ولازم هذا الحكم في الموضوع جعل مماثل الأثر ، وفي الحكم جعل مماثل نفسه ، مثلا في حال العلم بالخمريّة كان أثر هذا الموضوع «لا تشربه» وفي حال الشكّ يكون مقتضى اعمل العمل السابق هو «لا تشرب» أيضا ، فهذا النهي عن الشرب الجائي من قبل عدم نقض العمل السابق مماثل لذاك النهي عن الشرب الجائي من خطاب «لا تشرب