فمن يفعل الظلم فهو علاوة على ابتلائه بأثر الظلم ـ وهو ظلمة الباطن مثلا ـ يذمّه العقلاء ويرونه مستحقّا للضرب والشتم ، وهذا بخلاف دفع الضرر ؛ فإنّه أمر قد جبلت النفوس عليه ، فإنّ النفوس مجبولة على دفع المكاره عن أنفسها لحبّها بها ، حتى الحيوانات.
فلو فرض أنّ أحدا تحمّل الضرر وأوقع نفسه في مظانّه غير مبال بتضرّره ، فليس في هذا العمل سوى نفس هذا الضرر الذي أوقع نفسه في مظنّته ، وليس ورائه شيء آخر من ذمّ العقلاء والاستحقاق لسياسة المولى ، كيف ولا ضرر أعظم من دخول النار ، فلو فعل أحد ما يوجبه فدخل النار فليس في هذا الفعل إلّا نفس هذا الضرر ، لا أنّه مستحقّ لدخول نار آخر عقوبة على إقدامه على العمل الذي عاقبته دخول النار.
فتحصّل أنّ الضرر الأخروي تكون قاعدة قبح العقاب بلا بيان دافعا له ، والضرر الدنيوي وإن لم تكن القاعدة دافعا له ، ولكنّ الإقدام عليه لا يورث العقاب كما يورثه الإقدام على الافعال القبيحة في نظر العقل ، بل نقول على تقدير الإيراث أيضا لا يجدي بالمدّعى ، فإنّه مستحقّ حينئذ للعقوبة من جهة هذا القبيح الذي ارتكبه أعني الإقدام على محتمل المفسدة ، وأين هو من الاستحقاق على القبيح الواقعي المحتمل.
ولا يخفى أنّ ما ذكرنا من عدم إيراث الإقدام على الضرر للعقاب إنّما هو مع قطع النظر عن تحريم الشرع إيّاه وأنّ العقل بنفسه لا يستقلّ على الاستحقاق ، بل يستقلّ على عدمه ، وأمّا مع النظر إلى (١) حكم الشرع بتحريم بعض أقسام الضرر
__________________
(١) وحاصل هذا الكلام إمكان التّمسك بالأدلّة الشرعية الواردة في تحريم إلقاء النفس في الضرر مثل آية (وَلا تُلْقُوا) وأمثالها ، وحاصل الجواب أنّ الضرر والتهلكة التي يكون الإلقاء فيها بمقتضى الآية محرّما إن كانت هو العقاب الاخروي فهو لا بيان عليه ، والحكم المذكور في الآية أيضا لا يمكن أن يحقّق موضوع نفسه ، وإن كانت هو المصلحة والمفسدة اللتين يقول بهما العدليّة فأوّلا ـ