وبعبارة اخرى : نحن نتكلّم مع المستدلّ في هذا المقام بتلك القاعدة في الصغرى وهي قوله : نحن نحتمل الضرر ، قبل أن نحكم عليها بالكبرى وهي قوله : وكلّ ضرر محتمل واجب الدفع ، ونقول : ما السبب لحدوث هذا الضرر المحتمل ومن أين جاء؟ فإن قال : سببه نفس التكليف بوجوده الواقعي ، فهو ليس بسبب ، بل السبب هو البيان ، وإن قال : هو البيان ، فنقول : أين البيان؟ ، فإن قال : هو الحكم الذي يترتّب على هذا الموضوع ، فهذا معنى تحقّق الموضوع من قبل الحكم ، وهو الدور.
وإذن فقاعدة قبح العقاب بلا بيان واردة على هذه القاعدة ، بمعنى أنّ احتمال الضرر مفقود بعد فرض توقّف وجوده على البيان وعدم صلاحيّة الحكم المزبور للبيانيّة ، ويصير الضرر مقطوع العدم بقضيّة القاعدة ، ولا عكس ، يعني لا يكون الحكم المذكور واردا على قاعدة القبح المذكورة ؛ لما ذكرنا من أنّ الحكم المذكور يكون موجدا لموضوعه وهو محال.
ولكن القاعدة لا يكون حكم القبح فيها موجدا لعدم البيان الذي هو موضوعه ، بل يكفي في تحقّقه عدم صلاحيّة الحكم المذكور للبيانيّة ، بل نقول : إنّ الحكم المذكور ليس من شأنه إيجاد احتمال الضرر حتى على قول من يجوّز العقاب بلا بيان ، فإنّ مفاده إنّما هو أنّ احتمال العقوبة الذي تحقّق أسبابه في موضوع يجب عليك أن تدفعها من نفسك ، لا أن يكون نفس هذا الحكم محدثا للاحتمال.
وإن كان المراد بالضرر هو ما يكون التكليف معلولا له أعني المفسدة التي هي من خاصيّة الشيء ولا مدخل فيها لعلم المكلّف وجهله ، فهو وإن كان محتملا لعدم حاجته إلى البيان ، ولكن ـ بعد تسليم الصغرى من كون هذا من أفراد الضرر المحتمل ـ لنا أن نمنع الكبرى ، وهو أنّ الضرر المحتمل واجب الدفع ، ويمكن نفي وجوب دفع الضرر بمعنى أن يكون فعله حسنا وتركه قبيحا عند العقل ، فإنّ معيار الحسن والقبح العقليين أن يكون فاعل الفعل علاوة على خاصيّة نفس الفعل موردا لشيء آخر من مدح العقلاء أو ذمّهم.