ومن جملة تلك الموارد أي موارد ثبوت الأصل الوارد على أصل البراءة ، المال المعلوم كونه ملك الغير ، والمحتمل رضى مالكه بالتصرّف ، فإنّه أيضا موضوع مشكوك الحليّة والحرمة ، ولكن هنا استصحاب حاكم على البراءة فيه وهو استصحاب عدم طيب نفس مالكه.
لا يقال : ليس لهذا الاستصحاب حالة سابقة ؛ إذ لم يكن هذا لمال في السابق مقطوعا عدم رضى مالكه بالتصرّف فيه حتى يستصحب في زمان الشكّ.
فإنّه يقال : فرق بين اعتبار الرضى شرطا في حليّة التصرّف بنحو «كان» الناقصة ، وبين اعتباره بنحو «كان» التامّة ، ففي الأوّل لا بدّ من إحراز الموضوع المفروغ الوجود لزمان اليقين والشكّ معا ، فإذا فرض الشكّ في الرضى في جميع أزمنة الموضوع لم يكن في البين حالة سابقة وجوديّة ولا عدميّة.
وأمّا في الثاني فلا نحتاج إلى إحراز الموضوع أصلا ، بل الملاك ثبوت رضى المالك في هذه المال للشخص وعدم هذا المعنى ، فمهما علم هذا المعنى فهو ، وإلّا فنستصحب عدمه؛ إذ هو في الوجود يحتاج إلى وجود أشياء من المال والمالك والاذن والمأذون له ، فبعدم كلّ منها ينعدم هذا المعنى ، فلا محالة تكون حالته السابقة عدما ، لكونه معلوما في حال انعدام هذه الأشياء في الأزل ، فلا مانع من استصحابه ثمّ الحكم بحرمة التصرّف.
وأمّا الطريق لإثبات الوجه الثاني وهو كون الرضى مأخوذا على وجه مفاد «كان» التامّة فهو أن الكلام المشتمل على المستثنى والمستثنى منه ظاهر لدى العرف في كون الملحوظ في طرف المستثنى نفس الوصف بلا دخل نسبته إلى الموضوع المفروض الوجود ، فقوله : «لا يحلّ مال امرئ إلّا بطيب نفسه» ظاهر في كون تمام النظر واللحاظ إلى نفس وجود الطيب في المال من المالك بلا ملاحظة المال والمالك مفروضي الوجود ، وإسناد الطيب إليهما على نحو القضيّة المبتدئة مثل قولك : كلّ مال طاب نفس مالكه فهو حلال ، هذا تمام الكلام في الشكّ في أصل التكليف وجوبا كان أم تحريما ، حكميّا أم موضوعيّا.