تسليم عمومها مع السقوط عن الحجيّة ، لتعارض الصدر مع الذيل ، فلا بدّ حينئذ من الرجوع إلى حكم العقل من الاشتغال ووجوب الاحتياط.
وهذا الوجه الثاني أعني التعارض بين الصدر والذيل من الرواية مبنيّ على القول في الأحكام الواقعيّة بثبوت المراتب من الإنشائي والفعلي وأنّ المرتبة الإنشائيّة لا يكون العلم بها موردا لحكم العقل بوجوب الامتثال ما لم يضمّ من الشرع جعل للمرتبة الفعليّة كما ذهب إليه الاستاد الخراساني طاب ثراه ؛ إذ حينئذ يكون الحكم في تلك الأخبار بأنّ المشكوك إذا صار معلوم الحرمة يصير حراما بمنزلة جعل الفعليّة للحكم التحريمي الذي تعلّق به العلم ، فيكون العلم حينئذ موضوعا للحكم الشرعي ، غاية الأمر بمرتبته الفعليّة دون الشأنيّة الإنشائيّة.
فيكون مفاد الأخبار قضيّتين شرعيتين ، الاولى : أنّ المشكوك ما دام مشكوكا محكوم ظاهرا بالحليّة ، والاخرى : أنّ الحرام الواقعي إذا تعلق به العلم صار حراما فعليّا ، فيكون من الأثر الشرعي للعلم الحرمة الفعليّة بوصف الفعليّة ، كما يكون من الأثر الشرعي للشكّ الحليّة الفعليّة ، فبعد تحقّق العلم يكون موضوع حكم العقل متحقّقا بكلا جزئيه ، فإنّ أحدهما العلم ، وقد حصل وجدانا ، والأخر فعليّة الحكم وقد حصلت بحكم هذه الأخبار أيضا ، فيكون التنجيز الذي هو حكم العقل حاصلا.
وبالجملة ، يقع التعارض في أطراف العلم الإجمالي بالتكليف بين هاتين القضيّتين من حكم الرخصة المجعولة في مورد الشكّ ومن حكم عدم الرخصة المجعول في موضوع العلم ، لأنّ المفروض تحقّق الشكّ والعلم معا ، وكون متعلّق الثاني محصورا في متعلّق الأوّل ، فيلزم كون الشيء الواحد وهو كلّ واحد من الأطراف محكوما بالرخصة فعلا وبعدمها كذلك بالاعتبارين ، وهذا معنى التعارض.
وأمّا على القول بأنّ الأحكام الواقعيّة بعد جعل نفسها ، فلا يتصوّر فيها سوى المرتبة الواحدة وهي الفعليّة ، ولا يتصوّر لها مرتبتان انفكّتا في الجعل وكان كلّ منهما محتاجا إلى جعل مستقلّ ، بل هي بعد الجعل أبدا فعليّة ـ كما هو المختار ويأتي في محلّه تحقيقه إن شاء الله تعالى ـ فلا تعارض بين الصدر والذيل لهذه