وبر وبحر وحزن ووعر ، ولقيتموه حتى عرفتم أقواله ومذاهبه ، أو أخبرتم بالتواتر عن ذلك ، ومعلوم لكل عاقل استحالة هذا وتعذره.
وليس يمكنكم أن تجعلوا إجماع من عرفتموه من الطائفة المحقة هو الحجة ، لأنكم لا تأمنون من أن يكون قول الإمام الذي هو الحجة في الحقيقة خارجا عنه.
قلنا : هذه شبهة معروفة مشهورة ، وهي التي عوّل عليها واعتمدها من قدح في الإجماع ، من جهة أنه لا يمكن معرفة حصوله واتفاق الأقوال كلها على المذهب الواحد. والجواب عن ذلك سهل واضح.
وجملته : أنه لا يجب دفع حصول العلم الذي لا ريب فيه ولا شك ، لفقد العلم بطريقه على سبيل التفصيل. فان كثيرا من العلوم قد تحصل من غير أن تنفصل المعالم طريقها.
ألا ترى ان العلم بالبلدان والأمصار والحوادث الكبار والملوك العظام ، فإنه يحصل بلا ارتياب لكل عاقل يخالط الناس حتى لا يعارضه شك ، ولو طالبته بطريق ذلك على سبيل التفصيل لتعذر عليه ذكره والإشارة اليه.
ولو قيل لمن عرف البصرة والكوفة وهو لم يشاهدهما ، وقطع على بدر وحنين والجمل وصفين وما أشبه ذلك : أشر الى من خبرك بهذا ، وعين من أنبأك به ، وكيف حصل لك العلم به؟ لتعذر عليه تفصيل ذلك وتمييزه ولم يقدح تعذر التمييز والتفصيل عليه في علمه بما ذكرناه ، وان كان عند التأمل على الجملة أنه علم ذلك بالاخبار ، وان لم ينفصل له كل مخبر على التعيين.
وإذا كانت مذاهب الأمة مستقرة على طول العهد وتداول الأيام ، وكثرة الخوض والبلوى ، وتوفر الدواعي وقوتها ، فما خرج عن المعلوم منها نقطع على أنه ليس مذهبا لها ولا قول من أقوالها.
وكذلك إذا كانت مذاهب فرق الأمة على اختلافها مستمرة مستقرة على