والذي يدل عقلا أن الأنبياء لا يجوز أن يفعلوا قبيحا ، وأن القبيح على ضربين : فضرب منه يمنع الآيات من وقتهم (١) ، كالكذب فيما يؤدونه والزيادة فيه أو النقصان ، أو الكتمان لبعض ما كلفوا تبليغه ، لان المعجزات تقتضي صدق من ظهر عليه. وأنه لا يجوز أن يحرف الرسالة ولا يبدلها.
ويقتضي أيضا أن لا يجوز عليه الكتمان مما أمر بأدائه ، لنقض الغرض في بعثه.
والضرب الأخر من القبائح هو ما لا تعلق له بالأداء والتبليغ ، فهذا الضرب الذي يمتنع منه أنه منعي (٢) عن القول منهم ، وانما بعثوا ليؤدوا ما حملوه ، وليعلموا بما أدوه التفسير (٣) من القول ، يقتضي نقض الغرض أيضا.
والصغائر في هذا الباب كالكبائر ، لان الكل من حيث كانت قبائح تنفرد ولو لم تكن كذلك لكان السكون من المبعوث إليه أكثر وأوفر ، فمن جوّز الصغائر عليهم واعتقد بأنها لا يستحق به في الحال العقاب ، كمن جوّز عليهم الكبائر قبل النبوة وان كانوا فيها حال النبوة ممتنعين ، واعتذر مثله في الصغائر غير أن الكبائر الماضية قبل النبوة لا يستحق لها شيء من الصغائر.
وأن الكبائر الماضية قبل النبوة لا يستحق بها العقاب ، وانما سقط عقابها لأجل زيادة ثواب طاعات فاعلها ، ألا ترى أنها لو انفردت لاستحق بها العقاب ، ولا مخلص للخصوم من هذه النكتة.
وقد بينا ذلك وشرحناه واستوفيناه في كتابنا المعروف ب «تنزيه الأنبياء والأئمة» وبلغنا فيه الغاية القصوى.
__________________
(١) في «ن» : وقوعه منهم.
(٢) في «ن» منفي عن القبول. وظ : مانع عن القبول.
(٣) في «ن» : فما أرى الى التنفير من القبول.