وذكرنا أيضا في هذا الكتاب تأويل كل آية ادعي أن ظاهرها يقتضي وقوع معصية من نبي ، وبينا الصحيح من تأويلها ، وسقنا الكلام في نبي بعد نبي ، من آدم الى نبينا محمد صلىاللهعليهوآله ، وفعلنا مثل ذلك في الأئمة. وهذا كتاب جليل الموقع في الدين كثير الفائدة.
فأما قوله تعالى (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) فهذه الآية أول شيء تكلمنا عليها في كتاب «التنزيه» وبينا أنها لا تدل على وقوع قبيح من آدم عليهالسلام ، وأن ظاهرها يحتمل الصحيح الذي نقوله ، كما أنه محتمل للباطل الذين (١) يذهبون إليه.
لأن لفظة «عصى» تدل على مخالفة الأمر أو الإرادة ، والأمر والإرادة قد يتعلقان بالواجب وبما له صفة الندب ، والأمر على الحقيقة أمر بالندب ، كما أنه أمر بالواجبات دون الندب ، فمن أين لهم أنه خالف الواجب دون أن يكون عصى ، بأن عدل عن المندوب اليه.
وليس أن يكون الله تعالى ندبه الى الكف من تناول الشجرة وعصى ، بأن خالف وتناول ، فلم يستحق عقابا ، لانه لم يفعل قبيحا ، لكنه حرم نفسه الثواب الذي كان يستحقه على الطاعة التي ندب إليها.
ومعنى قوله تعالى (فَغَوى) أي خاب. ولا شبهة في اللغة أن لفظة «غوى» تكون بمعنى «خاب» قال الشاعر :
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره |
|
ولم (٢) يغو لم يعدم على الغي لائما |
ومما لم نذكره في كتاب «التنزيه» أن قوله تعالى (فَغَوى) بعد قوله (عَصى آدَمُ رَبَّهُ) لا يليق الا بالخلبة ، ولا يليق بالغي الذي هو القبيح وضد الرشد ، لان
__________________
(١) ظ : الذي.
(٢) في «ن» : ومن