وأما الشفاعة فهو (١) مرجوة له في إسقاط عقابه ، وغير مقطوع عليها فيه ، فان وقعت فيه الشفاعة أسقطت عقابه ، فلم يدخل النار وخلص له الثواب. وان لم تقع الشفاعة فيه عوقب في النار بقدر استحقاقه ، وأخرج الى الجنة فأثيب فيه ثوابا دائما ، كما استحقه بإيمانه.
فان قيل : كل ما ذكرتموه يجري مجرى الدعوى فيه ، وفيه خلاف.
قلنا : الأمر كذلك ، وانما كان غرضنا أن نبين كيفية المذهب في هذه المسألة ، وكيف يبنى القول فيها على المذاهب الصحيحة.
والأدلة والبراهين على صحة هذه المذاهب وفساد ما عداها موجودة مستقصاة في كلامنا على أهل الوعيد ، ونصرة القول بالارجاء في جواب مسائل أهل الموصل ، غير أنا لا نخلي هذا الموضع من إشارة خفية لطيفة إلى الحجة ووجه الدلالة ، فنقول :
أما الدلالة على [أن] الايمان يستحق به الثواب الدائم ، فهو الإجماع والسمع ، لان العقل عندنا لا يدل على دوام ثواب ولا عقاب ، وان دل على استحقاقهما في الجملة.
وقد أجمع المسلمون على اختلاف مذاهبهم على أن الايمان يستحق به الثواب الدائم، وأن لم يحبط ثوابه بما يفعله من المعاصي المستحق عليها العقاب العظيم يرد القيامة مستحقا من ثواب الايمان ما كان يستحقه عقيب فعله.
وإذا ثبت هذه الجملة نظرنا في المعصية التي يأتي بها هذا المؤمن ويفعلها ، وهو محرم غير مستحل بالاقدام عليها ، فقلنا لا بدّ أن يكون مستحقا عليها العقاب بدليل العقل والإجماع أيضا ، ومثبت أنه لا يجوز أن يؤثر الثواب المستحق
__________________
(١) ظ : فهي.