في العقاب المستحق فيبطله ، ولا العقاب المستحق على (١) الثواب المستحق فيبطله ، لفساد التحابط عندنا بين الاعمال وعند (٢) المستحق عليها. وربما قد بيناه في مواضع كثيرة خاصة في الكتاب الذي أشرنا اليه.
ومن قوي ما يدل على نفي التحابط بين الثواب والعقاب : أن الشيء إنما ينفي غيره ويبطله ويحبطه ، إذا ضاده أو نافاه ، أما فيما يحتاج ذلك الشيء في وجوده اليه لا تضاد ولا تنافي بين الثواب والعقاب المستحقين ، لان الثواب قد يكون من جنس العقاب ، ولو خالفه لما انتهى الى التنافي والتضاد.
ولو كان هناك تضاد أو تنافي ، لكان على الوجود كنافي سائر المتضادات ، والمستحق من الثواب والعقاب لا يكون الا معدوما ، والتنافي لا يصح بين المعدومات ، فكيف يعقل قولهم ان المستحق من العقاب المعدوم أبطل المستحق من الثواب المعدوم.
وإذا بطل الإحباط فلا بد من أن يكون من ضم الى الايمان المعاصي الموسومة بالكبائر من أن يرد القيامة ، وهو مستحق لثواب ايمانه وعقاب معصيته ، فان لم يغفر عقابه اما ابتداء أو بشفاعة ، عوقب بقدر استحقاقه ، ثم نقل الى الجنة فيخلد فيها بقدر استحقاقه.
وليس لقائل أن يقول : ألا جوزتم أن يستحق بكبار الذنوب العقاب الدائم؟
فإن قلتم : كيف يستحق العقاب الدائم من يستحق الثواب الدائم ، وفي أحد المستحقين قطع عن المستحق الأخر؟
قيل لكم : ألا جوزتم أن يثاب أحيانا في الجنة ويعاقب أحيانا في النار ، ويوفر عليه في أوقات عقابه ما فاته منه في أوقات ثوابه ان شاء معاقبته ، فان هذا
__________________
(١) ظ : في.
(٢) الظاهر زيادة «و».