فلو جاز أن يجعل هذه الصفة كيفية للأخرى ، جاز ذلك في الإدراك وفي سائر الصفات ، وان يؤد ما يجده الى الكيفيات دون جنس الصفات ، وهذا يفضي الى الجهل ، وإذا صح أن حال المريد منفصلة من سائر أحواله ، بطل قول من نفي هذه الحال فينا وفيه تعالى.
فأما البلخي فطريق الرد عليه أن نقول له : قد وافقنا على إثبات حال المريد لنا وتمييزها من باقي أحواله. وإذا كان المصحح لهذه الصفة كونه حيا ، كما أن المصحح لكونه قادرا عالما كونه حيا ، وجب أن يصح كونه تعالى مريدا ، كما صح كونه قادرا عالما. وقد دللنا في جواب المسألة الاولى والثانية والثالثة من هذه المسائل على أن المصحح ما ذكرناه دون ما يرجع الى جسميته والى الحواس.
وأما قول البلخي في بعض كلامه : ان المريد هو القاصد بعينه الى أحد الضدين اللذين خطرا بباله. فتعلل منه بالمحال ، لان المريد هو القاصد كما قال ، الا أن ذكر القلب والخطور لا معنى له ، لان الواحد منا وان كان ذا قلب محله إرادته ، فليس يجب في كل مريد أن يكون كذلك.
وإذا عارض البلخي معارض فقال له : لا يصح أن يكون القديم تعالى عالما لان العالم منا هو الذي يعتقد بقلبه ما علمه.
أي شيء ، ليت شعري كان يقوله له؟ وهل يقيد (١) ذلك الا بما أفسدنا كلامه؟
والذي يدل من بعد هذه الجملة على أنه تعالى مريد وجوه :
أولها : انا قد علمنا أن من حق العالم بما يفعله إذا فعله لغرض يخصه ، وكان محلا بينه وبين فعل الإرادة في قلبه أن يكون مريدا له ، لان [ما] يدعو
__________________
(١) ظ : يفسد.