بلوغ الغرض الذي قد انتهت الدواعي إليه في القوة إلى الحد الذي لا بدّ من الفعل معه ، ومع هذه الحال فإنه لا يجد نفسه على الحال التي أشرنا إليها إلّا مع أحدها ، والكل متساوي في تعلق الدواعي ، لوجب (١) أن يجد هذه الحال مع الأمور المتغايرة.
فلما اختصت هذه الحال مع عموم متعلق الدواعي ، علمنا أنها متميزة من أحوال الدواعي. ألا ترى أن أحدا إذا دعاه الجوع الشديد إلى الأكل ومن (٢) قويت دواعيه اليه على وجه لا بدّ معه من وقوع الأكل معه ، قد يكون بين يديه رغفان كثيرة قربها من يده قرب واحد وصفاتها في أنفسها واحدة ، فقصد الى أحد دون باقيها ، ويجد نفسه على كل حال مريدا مع بعضها دون سائرها ، وان كانت الدواعي القوية فتتعلق بالجميع تعلقا واحدا. فلو رجعت حال الإرادة الى حال الدواعي ، لكان يجد نفسه قاصدا الى الجميع ومريدا لأكل [الجميع] ، كما أنه يجد نفسه عالما بأن كل رغيف يسد جوعته ويزول مضرته وهذا واضح.
على أن قوة الدواعي انما هي كيفية الحال التي يجب عنها ، والكيفية وان اختلفت فغير مقتضية لاختلاف الجنس والنوع. وأحدنا إذا تجدد كونه قاصدا إلى الشيء ومريدا له بعد تقدم دواعيه اليه ، يجد نفسه على جنس لم يكن عليه من قبل. ويفرق بين ما يجد نفسه عليه إذا قويت دواعيه بعد ضعف وزادت بعد تقدم بقضائها (٣) ، والواحد منا يجد نفسه إذا أدرك بعد أن لم يكن مدركا أنه على جنس صفة لم يكن له من قبل.
__________________
(١) خ ل : يوجب.
(٢) الظاهر زيادة «من».
(٣) ظ : نقصانها.