أمثلة ظاهرة لا تحصى قد أوردناها في كتابنا.
منها أن أحدنا يضع الماء على الطريق ، لينتفع به المارة في ذلك الطريق وانما يكون وضعه للماء متوجها الى جهة انتفاع الناس به بالإرادة المتناولة له على هذا الوجه. ولا يجوز أن يكون المؤثر في إرادته بشرب (١) المارة في الطريق له ، لانه لا يريد ذلك ، وان كان وضعه للماء متوجها الى هذا الوجه دون غيره.
وقد يبحث أحدنا مائدة ليأكل هو وغيره من الناس عليها الطعام ، ولا يجب أن يكون في حال بحثه لها مريدا من نفسه ومن غيره الأكل ، وانما توجه بحثها الى هذه الجهة دون غيره بالإرادة المتناولة لتجارتها لهذا الوجه.
وكذلك قد يخيط قميصه ليلبسه ولا يكون في حال خياطته مريدا لنفسه ، ولو كان كذلك لوجد نفسه مريدا في الحال للبس.
وكذلك قد يغرس نخلة أو شجرة وهو يماله من ثمرتها ، وهو في حال الغرس لا يريد أكله منها ولا أكل غيره أيضا ، وانما كان الاغراس لهذا الوجه للإرادة المتناولة له على هذا الوجه.
فأما ما مضى في المسألة من أن الله تعالى يؤلم الأطفال للمصلحة والغرض ـ الى قوله : ـ فقد بان أن لفظة اللام لا تفيد ارادة ما دخلت عليه ، فلا شبهة في أن الغرض بالفعل الذي قصد به اليه لا يوجب تعلق الإرادة بذلك الغرض.
فكيف ظن علينا أنا نذهب الى ذلك حتى وقع التشاغل بالكلام عليه ، وقد قلنا ان الغرض إذا كان هو الداعي إلى الفعل ، فلا بد من ارادة يتناول الفعل عند حدوثه ، حتى يكون لها مفعولا لهذا الوجه ومتوجها غيره.
وقد بينا في كتاب «الذخيرة» وغيره أن الله تعالى لا يفعل الآلام بالأطفال
__________________
(١) ظ : شرب.