وتأملها وبيان قصور منزلتها عن منزلة القرآن.
فأما هذا الكلام المسطور المحكي في المسألة كلام لا فصاحة له ولا بلاغة فيه ، ولا يتضمن معنى دقيقا ولا جليلا ، فكيف يعارض به ويقابل ما هو في غاية الفصاحة والكلفة والتحمل فيه ظاهر.
وأين قوله «لقد أتيناك المفخر» من قوله (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ)؟ وأين قوله «فتهجد لله وأشهر» من قوله (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)؟ وأين قوله «فاصبر فعدوك الأصغر» من قوله (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)؟ ومن له أدنى علم بفصاحة وبلاغة لا يعد هذا الذي تكلف وأمارات الكلفة والهجنة فيه بادية فصيحا ولا بليغا بل ولا صحيحا مستقيما.
فأما الكوثر فقد قيل : انه نهر في الجنة. وقيل : ان الكوثر النهر بلغة أهل السماوة. وقيل : ان الكوثر انما أراد به الكثير ، فكأنه تعالى قال : انا أعطيناك الخير الكثير. وهو أعجب التأويلين الي ، وأدخل في أن يكون الكلام في غاية الفصاحة ، فإن العبارة عن الكثير بالكوثر من قوي الفصاحة.
وقوله (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) ان استقبل القبلة في نحرك ، وهو أجود التأويلات في هذه اللفظة من أفصح الكلام وأبلغه وأشده اختصارا ، والعرب تقول : هذه منازل تتناحر. أي تتقابل. وقال بعضهم :
أبا حكم هل أنت عم مجالد |
|
وسيد أهل الأبطح المتناحر |
فأما قوله (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) فمن أعجب الكلام بلاغة واختصارا وفصاحة ، وكم بين الشأني والعدو في الفصاحة وحسن العبارة. وقيل : ان الأبتر هو الذي لا نسل له ولا ذكر له من الولد ، وانه عنى بذلك العاص بن وابل السهمي. وقيل : ان الأبتر ها هنا هو المنقطع الحجة والأمل والخير ، وهو أحب الي وأشبه بالفصاحة.