فهذه السورة على قصرها كما تراها في غاية البلاغة إذا انتقدت وركية تنبع كل فصاحة إذا اختبرت. ومن لم يقدر على هذا الاختبار والاعتبار ، فيكفيه في نفي المعارضة والقدرة عليها ما قدمناه من الدليل على سبيل الجملة.
فأما قوله تعالى (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) فداخل فيه الطوال والقصار من غير تعيين على سورة يقع الاختبار عليها منه عليهالسلام من غير تفرقة بين القصار والطوال.
ولا خلاف بين المسلمين في ذلك ، لان التحدي أولا وقع بجميع القرآن في قوله تعالى (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) ثم وقع الاقتصار على سورة واحدة فقال تعالى (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) ولم يفرق بين طويلة وقصيرة. والهاء في قوله مثله راجعة إلى القرآن لا اليه عليهالسلام بلا شك والأمر (١) به.
فأما سورة الكافرين وادعائه (٢) من جهل في حالها أنها بعيدة من الفصاحة والذي يكذب هذه الدعوى على خلوها من الفصاحة ولقالوا له كيف يعد زيادة فصاحة قراءتك على فصاحتنا ، وهذه السورة خالية من الفصاحة ، فقد وافقوا على ما هو دون ذلك ، وهم للفصاحة أنقد وبمواضعها أعلم. وانما يجهل فصاحة هذه السورة من لم يعرف ، فظن أن تكرار الألفاظ فيها لغير فائدة مجددة ، والأمر بخلاف ذلك.
وقد بينا في كتابنا المعروف ب «غرر الفرائد» أن هذه السورة وان تكررت فيها الألفاظ ، فكل لفظ منها تحته معنى مجدد ، وأن المتكرر ليس هو على وجه التأكيد الذي ظنه الأغبياء ، وبينا فوائد كل متكرر من ألفاظها ، ومن فهم ما قلناه فيها علم أنها في سماء الفصاحة والرجاحة.
__________________
(١) ظ : ولا مرية.
(٢) ظ : وادعاء.