بمصالح وبمفاسد من جملة أفعال العباد ، قبح تكليفهم العقلي ووجب إسقاطه عنهم ، لانه قبيح أن يكلفهم ولا يزيح عللهم ، وإذا كان طريق إزاحة العلة مسدودا قبح التكليف.
فان قيل : ألا جاز تكليفهم وجرى مجرى حسن تكليف من لا لطف له.
قلنا : الفرق بين الأمرين ، أن من لا لطف (١) قد أزيحت ، ولم يذخر عنه شيء به يتم يمكنه. ومن لم يطلع على مصالحه ومفاسده لم تزح علته ، وفاتته مصلحته يرجع لا يتعلق به ، ولا صنع له فيه.
وإذا صحت هذه الجملة ووجب الإرسال على ما ذكرناه ، فلا بد أيضا مما لا يتم في الغرض في الإرسال إلا به ، وهو الدلالة على صدق الرسول فيما يؤديه ، لأن قوله لا يكون طريقا الى العلم بما تحمله ، الا من الوجه الذي ذكرناه.
ولهذا قلنا انه لا بدّ من إظهار المعجز على يديه ، ليكون جاريا مجرى تصديقه تعالى له في دعواه عليه بالقبول ، كما لو صدقه نطقا لوجب أن يكون صادقا ، والا قبح التصديق، وكذلك إذا صدقه فعلا.
وإذا كان الرسول مبعوثا الى قوم بأعيانهم يصح أن يسمعوا بالمشافهة منه أداه ، ولم تتعلق الرسالة بمن بعد ونأى في أطراف البلاد ، الا (٢) بمن نأى من الأخلاف ، لم يجب سوى الأداء إليهم ، ولم يتعلق بهم أداء إلى غيرهم.
وان كانت الرسالة الى من غاب وشهد وبعد وقرب ومن وجد ومن سيوجد ، فلا بد من أن يكون المؤدي عن الرسول الى من بعد في أطراف البلاد ، ومن لعله يوجد من الأعقاب من المعلوم من حاله أنه يؤدي.
__________________
(١) ظ : لا لطف له قد أزيحت علته.
(٢) ظ : ولا.