خالف الواقع بحكم دليل التنزيل ، وهذا بخلاف أدلة الاحتياط فإنّها لم تنزّل الاحتمال منزلة الواقع حتى يلزم من مخالفته مخالفة الواقع ولو تنزيلا ، بل مدار الموافقة والمخالفة فيه نفس الواقع الذي روعي جانبه بالاحتياط ، هذا كله على تقدير القول بعدم حرمة التجرّي.
وأما على القول بالحرمة فإنّ الظاهر أنّ التجري على الصغيرة مرّة أو مرّتين لا يوجب فسقا ، لأنّ التجرّي على الصغيرة لا يزيد عليها نفسها في حكم العقل إن كان المكلف عالما بأنّ ما أقدم عليه معصية صغيرة ، نعم لو اعتقدها كبيرة وتجرّى بها وكانت صغيرة في الواقع فلا يبعد أن يكون ذلك كالتجرّي على الكبيرة في حكم العقل ، وأيضا لا ريب أن الإصرار على التجرّي مطلقا يوجب الفسق ، إذ لا يخلو من أن يكون التجرّي معصية كبيرة ليوجب الفسق أول مرة أو صغيرة فيكون الإصرار عليها كبيرة ، فلم ينفكّ عن ارتكاب الكبيرة على كل تقدير ، مضافا إلى ما مرّ في القسم الأول من كشف الإصرار عن عدم الملكة أيضا ، فعلى القول بأنّ العدالة هي الملكة يحكم بعدم العدالة من جهتين : عدم الملكة وصدور الكبيرة ، وعلى القول الآخر من جهة واحدة هي ارتكاب الكبيرة.
وأما التجرّي على الكبيرة مع عدم الإصرار ، فإن قلنا إن معنى الكبيرة ما أوعد الله عليه النار بعنوانه الخاص أو ما عدّ في الأخبار كبيرة فهذا ليس من ذلك فليس بكبيرة ، وإن قلنا إنّ الكبيرة لا تنحصر في ذلك بل كل ما كان عند الله كبيرا في مرتبة أحد الكبائر المعلومة فهي أيضا كبيرة ، فلا طريق لنا إلى معرفة ذلك في التجرّي على الكبائر ، إذ يمكن أن يكون التجرّي في كلّ معصية في مرتبة تلك المعصية في الصغر والكبر ، ويمكن أن يكون دونها حتى يلحق بالصغائر ، فلا يمكننا الحكم بأحدهما. نعم ، لو كان عادلا في السابق نحكم