أنّا نجد بالعيان أنّ اجتماع الأمر والنهي لا وجه لاستحالته إلّا اجتماع موردهما في الخارج ، فإذا علمنا بأنّ هذا ليس مانعا عن الاجتماع نقطع بجواز الاجتماع واقعا ، وبمثل ذلك ندّعي فيما نحن فيه.
قوله : فالأولى أن يقرّر هكذا (١).
(١) هكذا قرّره صاحب الفصول (رحمهالله) (٢) بعد ما أورد على الدليل المعروف بما أورد المصنف ، ولا ريب أنّ هذا التقرير لا يثبت إلّا الإمكان الاحتمالي ، والمطلوب هو الإمكان الذاتي والوقوعي ، وإن كان الإمكان الاحتمالي أيضا يفيدنا فيما نحن بصدده بعد ورود الدليل الشرعي على وقوعه على ما سيأتي كما مرّ بيانه قبل ذلك ، ولعل هذا التقرير ناظر إلى العبارة المعروفة المنسوبة إلى ابن سينا كلّ ما قرع سمعك إلى آخره ، وقد عرفت أنّه لم يرد سوى الإمكان بمعنى الاحتمال ، وما ذكره من أنّ هذا طريق يسلكه العقلاء في الحكم بالإمكان ممنوع أشدّ المنع إن أريد بالإمكان الواقعي ، وإن أريد الإمكان الاحتمالي فهو كذلك.
وقد يتمسّك في الحكم بإمكان ما لم يعلم استحالته ، بأنّ الغالب في المعقولات المعلومة هو الممكنات ، ويجب إلحاق غير المعلوم بالمعلوم ويحكم بإمكانه. وفيه : أنّ الغلبة غير معلومة ، وعلى فرض التسليم فلا حجيّة فيها سيّما فيما يطلب فيه العلم ولا يكتفى بالظنون أصلا.
والأولى أن يتمسّك في الحكم بالإمكان فيما نحن فيه بالوقوع ، فإنّ التعبّد بغير العلم كالفتوى والبيّنة واليد والسوق وأصل البراءة وأمثالها مما لا ينكر حتى
__________________
(١) فرائد الأصول ١ : ١٠٦.
(٢) الفصول الغروية : ٢٧١.