زوال جهله به ، ولا نعني بالحكم الواقعي إلّا ذلك.
وفيه أوّلا : أنه مناف لمذهبه من أنّ الأحكام تابعة لمصالح الأمر لا المأمور به.
وثانيا : أنّ المصلحة والمفسدة قد تختلف بالوجوه والاعتبار كما صرّح به ، فيجوز صيرورة صاحب المصلحة بالنسبة إلى العالم ذا مفسدة بالنسبة إلى الجاهل ومن أدته الأمارة إلى خلاف الواقع الأوّل ، وبالعكس.
الرابع : أنّه يلزم على القول بالتصويب الجمع بين المتنافيين وهو قطعه بالحكم ما دام ظانّا به ، ولا ريب أنّ القطع والظن متنافيان ، ولا يلزم المخطئة لأنّ محلّ الظن عندهم هو الحكم الواقعي ومتعلّق القطع هو الحكم الظاهري ، وقد ظهر ضعف هذا الدليل بما مرّ سابقا من أنّ المصوبة لا ينكرون وجود شيء يحكي عنه الدليل والأمارة وإن لم يكن ذلك حكما للمجتهد إلّا إذا وافقه رأيه ، فمتعلق الظن ذلك الشيء ومتعلق القطع الحكم فاختلف موردهما.
الخامس : ما ذكره العلامة (١) من أنّ الاختلاف في الحكم يتبع الاختلاف في اعتقاد رجحان إحدى الأمارتين على الاخرى ، ولا يخلو إما أن يكون لإحداهما رجحان على الاخرى أو لا ، فإن كان الأول كان القول برجحان المرجوح خطأ ، وإن كان الثاني كان كل من الاعتقادين خطأ ، وكيف كان فلا يكون كل واحد مصيبا.
وفيه : أنّ الحكم على القول بالتصويب تابع لاعتقاد الرجحان لا الرجحان الواقعي كما صرّح به في أول استدلاله ، وحينئذ فيجوز أن يكون اعتقاد
__________________
(١) تهذيب الوصول : ٢٨٧ ، نهاية الوصول : ٣١١ ، مبادئ الوصول إلى علم الأصول : ٢٤٥.