وفيه : أنّ التأمّل في كلام السيد الصدر يقضي بأنه لم يخالف ما أفاده المصنف بوجه ، لأنّه قد سلّم أوّلا حجية الظواهر بمقتضى المقدّمة الأولى وأنّها الأصل الأوّلي لو لا المانع ، وقد صرّح به بعد ذلك أيضا بقوله : إنّا لو خلّينا وأنفسنا لعملنا بظواهر الكتاب والسنّة مع عدم نصب القرينة على خلافها ، إلّا أنّه ادّعى انقلاب هذا الأصل الأوّلي بواسطة الأخبار المانعة إلى عدم جواز العمل بالظواهر في الكتاب والسنّة جميعا وصار ذلك أصلا ثانويا ، ثم ادّعى خروج ظواهر السنّة عن هذا الأصل الثانوي بالإجماع العملي من أصحاب الأئمة (عليهمالسلام) ولم يظهر منه أنّ المنع من العمل بالظواهر مطلقا مقتضى الأصل الأوّلي حتى يكون مخالفا لما أفاده المصنف.
نعم ، يظهر من كلامه في المقدّمة الأولى أنّ الأصل مع قطع النظر عمّا ذكره في المقدمة الأولى من بقاء التكليف وتوقّف العمل على الافهام ، وأنّه في الأكثر بالقول ، وأنّ دلالته في الأكثر ظنّية هو حرمة العمل بالظن ، وهذا أيضا عين ما اعترف به المصنف وغيره فأين مخالفة السيد الصدر ، ولعل تمسك السيد الصدر للأصل الثانوي بالآيات والأخبار المانعة عن العمل بالظن أوهمه إلى أنّ مراد السيد الأصل الأوّلي ، بناء على ما زعم من أنّ مفاد الآيات الناهية موافق للأصل الأوّلي كما تقدم منه سابقا ، حيث ادّعى هناك أنّا في غنى من الاستدلال بها على ذلك الأصل بعد وجود الحكم العقلي المستقل عليه ، وقد ذكرنا هناك أنّه لو تمّت دلالة الآيات والأخبار الناهية فهي أدلة اجتهادية على حرمة العمل بالظن تعارض أدلة جواز العمل به ، مع أنّ السيد الصدر لم يقتصر في الاستدلال على الأصل الثانوي بتلك الآيات والأخبار بل جعلها ثالث الأدلة أو رابعها.