الشقين.
فإن قلت : قد ذكر المصنف في الجواب عن الشق الثاني في الجواب السابق أنّ بناء العقلاء في صورة الظنّ بمقتضى الضرر مع الشك في وجود المانع هو العمل على المقتضي ، ولا يعتدون باحتمال وجود المانع ، مع أنّ الضرر بملاحظة هذا الاحتمال يصير مشكوكا ، فكيف سلّم في هذا الجواب عدم الاعتداد بالظن بمقتضى الضرر باعتبار ملاحظة الظن بالتدارك الموجب لكون الضرر مشكوكا.
قلت : له أن يدعي الفرق بين ما كان المانع مشكوكا فلا يعتد العقلاء به وما كان المانع مظنونا فيعتنون به ، وسرّه أنّ الظن بالمانع يجعل حصول الضرر موهوما ، بخلاف الشك فيه فإنّه يكون الضرر بالاخرة مشكوكا فافهم. ولعله إلى هذه الدقيقة أشار المصنف بقوله فافهم (١).
ولكن يمكن أن يقرر أصل الاستدلال على وجه لا يندفع بهذا الجواب بأحد وجهين :
أحدهما : أن يقال إنّ العقل مستقل بوجوب دفع الضرر المظنون الذي يصير بالاخرة مشكوكا بسبب الشك في التدارك ، ولا يقاس ذلك بالضرر المشكوك ابتداء لأنّه مقطوع التدارك بالقدر المتيقن من أدلة البراءة على ما صرّح به المصنف هنا في قوله : لأنّ العمدة في دليل البراءة الإجماع والعقل
__________________
(١) أقول : ويمكن أن يكون إشارة إلى أنّ النظير الذي أشار إليه بقوله كما في الظن الذي ظن كونه منهيا عنه عند الشارع ليس نظيرا لما نحن فيه ، لما عرفت من أنّ الأدلة الناهية عن العمل بالظن ناظرة إلى منع كونه طريقا إلى الحكم الشرعي ، فلا تنافي ما يدل على وجوب الأخذ بالظن من باب الاحتياط ، وهذا بخلاف ما نحن فيه فإنّ ترخيص ترك العمل بالظن ينافي وجوب الأخذ بالظن مطلقا حتى من باب الاحتياط أيضا.