وإن أريد منه العسر النوعي وأنّ الصوم في السفر مثلا عسر على نوع المكلفين فيجب ارتفاعه حتى بالنسبة إلى من لا عسر عليه بالصوم ، ففيه : أنّه يلزم بمقتضى العلية أن كل تكليف يكون شاقا على نوع المكلفين بمقدار الصوم في السفر كالصوم في شدة الحر والوضوء في شدة البرد ونحوه مرفوعا ولا يلتزم أحد بذلك ، والقول بخروجها عن القاعدة بالإجماع يلزمه التخصيص الأكثر.
ومنها : قوله تعالى في سورة المائدة : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(١) قيل في تفسيرها : إنّ الله سبحانه رفع حكم الوضوء حال عدم القدرة على الماء ، كما أنه رفع حكم التيمم أيضا حال عدم القدرة على الصعيد لأنّه ما يريد الله ليجعل ، إلى آخره.
وقيل أيضا إنه تعالى أبدل حكم الوضوء بالتيمم ورفع حكم الوضوء حين عدم وجدان الماء لأنّه ما يريد الله ، إلى آخره.
ولا يخفى أنّ الاستدلال إنما يصح على الثاني كما هو ظاهر الآية أيضا ، وعلى الأول يكون مساوقا لرفع تكليف ما لا يطاق ، وإن حمل عدم وجدان الماء على عدم التمكن منه على ما اختاره جملة من الفقهاء يكون كذلك أيضا ، نعم إن حمل عدم الوجدان على ما دون ذلك وهو ما إذا كان تحصيل الماء عسرا فإبدال حكم الوضوء حينئذ بالتيمم معللا بالحرج يصحح حمل قضية التعليل على المقصود من رفع التكليف الشاق العسر كما هو ظاهر القضية ، فقد أخبر
__________________
(١) المائدة ٥ : ٦.