ويمكن أن يقال : إنّ ذلك مبني على أن يكون معنى قوله لا حرج في الدين أنّ الموضوعات الحرجية مرفوعة الحكم ، فيجري بالنسبة إلى الحكم الاستحبابي أيضا ، أو أنّ الأحكام التي يلزم من ثبوتها الحرج مرفوعة ، فلا يجري في المندوب لما مر في الوجه الأول من أنّ الحكم الندبي لا يستلزم الحرج والضيق ، ولو رجحنا في السابق الوجه الثاني فلا يتفاوت الحال بالنظر إلى كل واحد من المبنيين ، لكن الأظهر في المبنى هو الوجه الثاني فتدبّر.
المطلب الثامن : في أنّ قاعدة الحرج كما أنّها رافعة للحكم إذا بلغ حد الحرج بالنسبة إلى كل تكليف تكليف ، كذلك رافعة لمجموع الأحكام التي بلغت حدّ الحرج لأجل انضمام بعضها إلى بعض كما في مسألتنا هذه ، فإنّ الاحتياط في كل مسألة مسألة بعد انسداد باب العلم ربما لا يكون فيه حرج ولكن الاحتياط في الكل مستلزم للحرج ، وكما لو أدى ظنّ المجتهد إلى الاحتياط في موارد كثيرة بحيث يستلزم الحرج ، وكما في المندوبات الثابتة في الشريعة من النوافل والأذكار والأدعية وغيرها بناء على شمول القاعدة للمندوبات ، فإنّ كل واحد منها ليس حرجا لكنّ العمل بمجموعها يكون حرجا البتة ، بل الأغلب يكون الاتيان بجميع الأعمال والآداب الشرعية المستحبّة متعذّرا لضيق الوقت عن جميع ذلك ، فيلزم تكليف ما لا يطاق.
وهذا الإشكال وارد على كل تقدير ، لأنّ التكليف بما لا يطاق مما لا يجوز حتى في المستحبات كما هو واضح.
ويمكن أن يجاب عن هذا الإشكال بأنّ الشارع لمّا علم أنّ أحدا من المكلفين لا يأتي بجميع هذه المندوبات بحسب إرادته عادة يعني لا يريد الإتيان بالكل ، وكان كل واحد منها مما فيه المصلحة المقتضية للتكليف الندبي