بل يمكن أن يقال بتقديم الظن المانع مطلقا حتى فيما كان الظن الممنوع أقوى بعين التقريب المتقدّم ، ويمكن أن يفصّل بين ما لو كان الظن الممنوع في غاية القوة قريبا من العلم والظن المانع ضعيفا وبين ما لم يكن كذلك ، ففي الأول يحكم العقل بملاحظة هذه القوة في الممنوع والضعف في المانع بتقدم الممنوع لعدم مكافأة الظن بالبراءة الذي يكون مع الظن المانع للقوة التي تكون مع الممنوع ، وإن كان المظنون اشتمال الممنوع على المفسدة سيما إذا كانت المفسدة غلبة مخالفة نوعه عن الواقع ، وفي الثاني يقدّم الظن المانع لرجحان الظن بالبراءة على مقدار القوة الموجودة في الممنوع ، وقد يتساويان ويتساقطان (١).
وقد أشار المصنف إلى دليل آخر لتقديم الظن المانع في أواخر المبحث بقوله : إلّا أن يقال إنّ القطع بحجية المانع عين القطع بعدم حجية الممنوع ، لأنّ معنى حجية كل شيء وجوب الأخذ بمؤداه لكن القطع بحجية الممنوع التي هي نقيض مؤدى المانع مستلزم للقطع بعدم حجية المانع ، فدخول المانع لا يستلزم خروج الممنوع وإنما هو عين خروجه فلا ترجيح ولا تخصيص ، بخلاف دخول الممنوع فإنّه يستلزم خروج المانع فيصير ترجيحا من غير مرجح فافهم (٢).
وفيه : أنّ ترجيح المانع الذي يكون القطع بحجيته عين القطع بعدم حجية الممنوع يحتاج إلى مرجح مفقود بالفرض ، وما فرضه مرجحا إنّما يكون كذلك بعد فرض كونه مشمول الدليل وهو أول الكلام ، ولعله إلى ذلك أشار بقوله فافهم.
__________________
(١) أقول : الأظهر تقديم الظن المانع مطلقا كما ذكر أولا ، وقوة الظن في طرف الممنوع وإن بلغ ما بلغ لا تكافئ الظن بعدم حجيته الكاشف عن اشتماله على المفسدة الموجب للظن بعدم حصول البراءة الفعلية من الممنوع وحصولها من المانع ، هذا.
(٢) فرائد الأصول ١ : ٥٣٥ ـ ٥٣٦.