العمل بأحد الظنين وطرح الآخر أو العكس مع كون أحدهما أقوى فلا ريب أنّ الأقوى مقدّم ، لأنّ مناط حكم العقل بعد مقدمات الانسداد بالعمل بالظن كونه أقرب إلى الواقع ، فبعين هذا المناط يحكم بتقديم الأقوى لأنّه أقرب إلى الواقع من الآخر ، وهكذا لو كان أحد الظنين مانعا عن الآخر ، مثلا لو ظن بوجوب السورة في الصلاة من الشهرة وظن عدم حجية الشهرة اللازم منه عدم وجوب السورة أعني عدم المؤاخذة على ترك السورة ولو كان واجبا في الواقع فيلاحظ الأقوى منهما ويقدّم العمل به لأنّه أقرب في تحصيل الإطاعة المطلوبة ، وفي صورة تساوي الفردين في مناط الحكم يحكم بالتخيير أو التساقط سواء كان أحدهما مانعا عن الآخر أو لا ، هذا.
ولكن يمكن أن يقال في صورة التساوي لو كان أحدهما مانعا عن الآخر يؤخذ بالظن المانع ، لأن الظن الممنوع وإن كان مساويا للمانع من حيث الكشف والطريقية التي هي مناط حكم العقل إلّا أنّ الظن المانع يكشف عن وجود مفسدة في العمل بالظن الممنوع ذاتا أو من جهة تخلّفه الغالبي كما في القياس كشفا ظنيا ، وحينئذ يكون العمل بالظن المانع موجبا للظن بالبراءة ، بخلاف الظن الممنوع فإنّه وإن كان ظنا بالواقع لكن المظنون بظن يساوي ذلك الظن اشتماله على المفسدة الموجبة لعدم الأخذ به.
وبعبارة أخرى : العمل بالظن المانع يظن به البراءة الفعلية بخلاف الممنوع. وبعبارة أخرى : يدور الأمر بين الظن المشكوك الحجية أي الظن المانع والظن الممنوع الموهوم الحجية أي المظنون عدم حجيته ، والأول مقدّم على الثاني في ملاك حكم العقل أعني تحصيل البراءة الفعلية ، وهذا نظير ما تقدّم في المقام السابق من أنّه إذا دار الأمر بين الظن المظنون الحجية إذا كان بقدر الكفاية وبين مطلق الظن فإنّه يقدّم الأول بحكم العقل ، فتأمّل.