الإطاعة وإطاعة الإطاعة وهكذا إلى ما لا يتناهى متساوية في نفس الأمر بحيث لو كانت إحدى مراتبها واجبا شرعيا كانت المراتب الباقية أيضا كذلك ، ولم يعلم ذلك.
وأما ثانيا : فإنّ هذا التسلسل على تقدير لزومه ليس من التسلسل المحال ، إذ يمكن للامر تصور مراتب الإطاعة الطولية إلى ما لا يتناهى والأمر بها بإنشاء واحد ، ويمكن للمأمور أيضا امتثال جميع هذه المراتب غير المتناهية بفعل واحد فأين المحال؟ والسر فيه أنّ التسلسل المحال إنّما هو في الأمور المتأصّلة الخارجية لا في الأمور الاعتبارية الانتزاعية مثل عنوان الإطاعة والعصيان ونحوهما.
الثالث : أنّ أمر الشارع بوجوب الإطاعة موافق للأمر العقلي بوجوبها بقاعدة الملازمة ، ولا شكّ أنّ الأمر العقلي إرشادي فكذلك الشرعي لا يكون إلّا إرشاديا ، ضرورة أنّ الملازمة بين حكم العقل والشرع تقتضي اتّحاد كيفية الحكم أيضا كأصل الحكم ، لكن هذا إنّما يتم لو استفدنا أمر الشارع بالإطاعة من قاعدة الملازمة ، وأما إذا استفدناها من الأوامر الواردة في الشرع لفظا مثل قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)(١) فيمكن كونها مولوية ، اللهمّ إلّا أن يقال إنّا نفهم من ظاهرها موافقة حكم العقل لا حكم آخر من الشارع مضافا إلى الأمر بما يتحقق به الإطاعة كالصوم والصلاة.
الرابع : أنّ الضابط في الحكم الإرشادي في مثل الإطاعة والعصيان أن يكون كالتكرار لحكم منجّز آخر من قبل المولى الذي تجب إطاعته ، ويتعلّق ذلك الأمر أو النهي بعنوان ثانوي لما أمر أو نهى عنه سابقا بحيث يكون الغرض
__________________
(١) النساء ٤ : ٥٩.