مكة ـ وهي أكبر مركز عبادي سيّاسي واقتصادي في الحجاز حسب قول بعض العلماء ـ إلى أكثر من عشرين شخصاً!
فالقَسَم بالقلم في مثل هذا المحيط له من العظمة والجلال الكبيرين مالا يخفى!
ومن فلسفة القسم في القرآن هو أنّه كان يحفز المسلمين على التأمل في الأمور التي يُقسَمُ بها ، وفي هذه الآية كان الأمر كذلك ، فصار ذلك سبباً في اتساع أمر القراءة والكتابة والتّأليف وترجمة كتب المجتمعات الاخرى ، وانتشار العلوم في العالم الإسلامي.
* * *
وتعتبر الآية الثّانية ، من أولى الآيات ـ طبقاً للرأي المشهور ـ الّتي نزلت على قلب النّبيّ الطّاهر في جبل النور في غار حراء ، وكانت أولى ومضات الوحي ، ولذا فإنّها إشارة إلى أَهم المسائل ، فعندما يأمر تعالى الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله بتلاوة آيات القرآن ، يقول له : (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الاكْرَمُ* الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الانْسَانَ مَالَمْ يَعْلَمْ).
وبهذا فإن أوّل وصف لله تعالى بعد الرّبوبيّة والكرامة هو وصف التّعليم بواسطة القلم وهو منبع تعليم «مالم يعلم».
ومن هنا فإنّ بداية الوحي نشأت مع بداية الحركة العلميّة ، وهذا المعنى عميق ودقيق ومربٍّ لكل مسلم.
فمثل هذه العبارات ، حفّزت المسلمين باستمرار على الإهتمام بالكتاب والمكتبات وتعلم العلوم والمعارف ، وإذا كانت الرّوايات قد صرحت بأن «مداد العلماءِ أفضل من دماءِ الشُهداءِ» ، فإنّ ذلك من أجل أن أسس دماء الشهداء مبتنية على المعارف والعقائد التي تنبع أساساً من القلم ، كما أنّ سند بقاء دماء الشهداء هو مداد أقلام العلماء.
إنّ تفاهم النّاس فيما بينهم وانتقال الأفكار ينحصر في طريقين عادة : البيان والقلم ، مع تفاوت بينهما وهو أنّ البيان وسيلة للارتباط بين الحاضرين في مكان وزمان واحد ، أمّا الارتباط بالقلم فلا ينحصر في الحاضرين ، وإنّما يعتبر القلم وسيلة للارتباط بين أبناء