فمن شك في ذلك فليقرأ : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ ...) الآية (١).
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ)
يقول : بالنبي ، يعني : بنبيها وجئنا بك يا محمد على هؤلاء شهيدا عليهم ، يعني : على أمته ، شهيدا بالتصديق لهم ؛ لأنهم يشهدون على الأمم للرسل أنهم بلغوا ما أرسلوا [به لما](٢) هو دليل صدقهم ، وقامت براهينهم بالرسالة صارت شهادة على هؤلاء ؛ أي : لهؤلاء ؛ على هذا التأويل ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) [المائدة : ٣] أي : لها ويحتمل عليهم لو كذبوا وزلوا.
وقوله : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) يعني : نبيها ، (وَجِئْنا بِكَ) يا محمد على أمتك شهيدا على تبليغ الرسالة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ) قيل فيه بوجوه :
إذا ميز الله أصحاب اليمين وأصحاب الشمال ، قال للوحش والطير والسباع : «كوني ترابا» ؛ فتكون ترابا ، فعند ذلك يتمنون أن يكونوا ترابا مثل الوحش [فسويت بهم](٣) الأرض (٤).
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : يجحد أهل الشرك يوم القيامة أنهم ما كانوا مشركين ، فينطق الله ـ تعالى ـ جوارحهم ؛ فتشهد عليهم ؛ فيودون أنهم كانوا ترابا ؛ كقوله : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) [النبأ : ٧٨] وقوله ـ تعالى ـ : (يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ) [الحاقة : ٢٧] ؛ فذلك قوله ـ سبحانه وتعالى ـ : (لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ) ليتنا لم نبعث
__________________
(١) أخرجه أحمد (٣ / ٩٤) ، والترمذي (٤ / ٣٤٥) : أبواب صفة جهنم (٢٥٩٨) ، والنسائي (٨ / ١١٢) : كتاب الإيمان : باب زيادة الإيمان ، وابن ماجه (١ / ٨٥) ، المقدمة : باب في الإيمان (٦٠) ، من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان» ، قال أبو سعيد : فمن شك فليقرأ (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ)[النساء : ٤٠].
والحديث ـ مطولا ـ أخرجه البخاري (١٥ / ٣٨١) : كتاب التوحيد : باب قول الله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ. إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٧٤٣٩) ، ومسلم (١ / ١٦٧) : كتاب الإيمان : باب معرفة طريق الرؤية (٣٠٢ ـ ١٨٣).
(٢) في أ : بها.
(٣) في أ : تسويت بتاء.
(٤) قاله أبو هريرة ، أخرجه عنه عبد بن حميد والطبري وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في «البعث والنشور» ؛ كما في الدر المنثور (٦ / ٥٠٧).