يجوز الاستعانة بهم فيه ؛ وله جعل المال عنده مع ما كره العلماء تسليط الكفار العقوبة ؛ لجهلهم بحق شرع الإسلام فيها ؛ فمثله دفع الأموال إليهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً)
عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : (الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً)(١) ، يعنى : قوام أمركم ومعيشتكم (٢) ، وهو هكذا جعل الله هذه الأموال أغذية للخلق ، بها يقوم دينهم وأبدانهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ)(٣)
يقول : لا تؤتوهم ، ولكن ارزقوهم أنتم واكسوهم.
وقيل : يقول : أنفقوا عليهم منها ، وأطعموهم (٤).
وقيل : لما أضاف الأموال إلى الدافعين لا إلى المدفوعة إليهم ؛ دل على وجوب نفقة الولد وكسوته على الرجل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً)
__________________
(١) قال القاسمي (٥ / ٣٨) : في قوله تعالى : (الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) حث على حفظ الأموال وعدم تضييعها.
قال الزمخشري : كان السلف يقولون : المال سلاح المؤمن ، ولأن أترك مالا يحاسبني الله عليه ، خير من أن أحتاج إلى الناس. وعن سفيان ـ وكانت له بضاعة يقلبها ـ لولاها لتمندل بي بنو العباس. وعن غيره (وقيل له : إنها تدنيك من الدنيا) : لأن أدنتني من الدنيا لقد صانتني عنها. وكانوا يقولون : اتجروا واكتسبوا ؛ فإنكم في زمان إذا احتاج أحدكم كان أول ما يأكل دينه. وربما رأوا رجلا في جنازة ، فقالوا له : اذهب إلى دكانك. انتهى.
(٢) أخرجه الطبري في تفسيره (٧ / ٥٧٥) رقم (٨٥٦٠) ، عن ابن عباس.
(٣) قال القرطبي (٥ / ٢٢) : معناه اجعلوا لهم فيها ، أو افرضوا لهم فيها ، وهذا فيمن يلزم الرجل نفقته وكسوته من زوجته وبنيه الأصاغر ؛ فكان هذا دليلا على وجوب نفقة الولد على الوالد والزوجة على زوجها ، وفي البخاري عن أبي هريرة قال قال النبي صلىاللهعليهوسلم : (أفضل الصدقة ما ترك غنى ، واليد العليا خير من السيد السفلى ، وابدأ بمن تعول ، تقول المرأة : إما أن تطعمني وإما أن تطلقني ، ويقول العبد : أطعمني واستعملني ، ويقول الابن : أطعمني إلى من تدعني؟ فقالوا يا أبا هريرة ، سمعت هذا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ قال : لا ، هذا من كيس أبي هريرة).
أخرجه البخاري (٩ / ٤١٠) في كتاب النفقات : باب وجوب النفقة على الأهل والعيال (٥٣٥٥).
قال المهلب : النفقة على الأهل والعيال واجبة بالإجماع ، وهذا الحديث حجة في ذلك. قال ابن المنذر : اختلفوا في نفقة من بلغ من الأبناء ولا مال له ولا كسب : فقالت طائفة : على الأب أن ينفق على ولده الذكور حتى يحتملوا وعلى النساء حتى يتزوجن ويدخل بهن ، فإن طلقها بعد البناء أو مات عنها فلا نفقة لها على أبيها ، وإن طلقها قبل البناء فهي على نفقتها.
(٤) أخرجه الطبري (٧ / ٥٧١) (٨٥٦٦) عن ابن عباس ، وبرقم (٨٥٦٧) عن السدي ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢١٤) وزاد نسبته لابن المنذر.