وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ...) الآية.
تأويل هذه الآية ـ والله أعلم ـ أنه وإن أكرمهم وأعظم منزلتهم عنده وأعلاها ـ فإنهم لم يأنفوا عن عبادته ، ولم يخرجوا أنفسهم من أن يكونوا عبيدا ؛ بل كلما (١) ازداد لهم عند الله ـ والله أعلم ـ منزلة وقدر ـ كانوا أخضع له وأطوع ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ* لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) [الأنبياء : ٢٦ ـ ٢٧] ، وفي موضع آخر : (لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ ...) الآية [الأنبياء : ١٩].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً)
أي : أحاط بكل شيء علمه ، وهو يخرج على الوعيد ، أي : عن علم منه خلقهم لا عن جهل بصنيعهم كملوك الأرض ، وبالله التوفيق.
وقوله ـ عزوجل ـ أيضا : (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً) وبصيرا ، وعليما ، ونحو ذلك ، يخرج على التوعيد والتخويف ؛ ليكونوا مراقبين له ، حذرين ؛ كمن يعلم في الأمور أن عليه رقيبا ، والله أعلم.
ويخرج على الابتلاء (٢) : أنه أمر من يكتب الأعمال لا للخفاء عليه ، لكن بما إذ لا يمتحن لحاجة به ؛ ولكن لمصلحة عباده (٣) ، فيمتحن بما شاء ، فامتحن أولئك الكتبة بما يكونون أبدا متيقنين ناظرين ، لا يغفلون عن ذلك ؛ طاعة منهم لله.
والثاني : أن يكون العلم بمن يكتب عليه كل أمره ـ فيما جبل عليه البشر ـ أذكر له وأشد في التنبيه ؛ فجرى حكم الله في ذلك ؛ إذ أمر المحنة موضوع على المصلحة ، وذلك أبلغ في الوجود ، والله أعلم.
ويخرج على أن الله ـ تعالى ـ كان بذلك محيطا ؛ ليعلموا أنهم لا يتركون سدى ، بل يحصى عليهم للجزاء ، والله أعلم.
وجملة ذلك : أن الله ـ تعالى ـ قال كان كذا ؛ ليعلم أنه لا عن جهل خلق الخلق وبعث الرسل ، وأنشأ الآيات ، مما عليه أمر الخلق أنهم كيف يعاملون من ذكرت ، وذلك خارج على حد الحكمة ، وإن كان لا يعرفون في بعث الرسل إلى من يكذبهم ، ولا تقوية الأعداء على ما به قهر الأولياء ، ولا الأمر والنهي لمن يعلم أنه لا يأتمر ولا ينتهي ـ كبير حكمة ، وبما كان ذلك من الله فهو خارج على حد الحكمة ؛ إذ ذلك كله من الخلق يقع لحاجة أو
__________________
(١) في ب : كلها.
(٢) في الأصول : النساء.
(٣) في ب : لعباده.