الحوائج بها ؛ فكانوا يسألونها أن تقسم لهم (١) ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكُمْ فِسْقٌ) :
يحتمل قوله : (فِسْقٌ) : أي : العمل بالأزلام ، والشهادة على الله أنه أمر بذلك ـ فسق ، وعلى هذا من يستجيز العمل بالقرعة ؛ لأنه يقول : يقرع فمن خرجت قرعته يحكم له ، فإنما يحكم له بأمر القرعة ؛ كأن القرعة تأمره بالحكم لهذا بهذا ، وتنهاه عن الحكم لهذا بهذا ، فهو بالأزلام والقداح التي نهي الله عن العمل بذلك أشبه ، وبها أمثل من غيره.
ويحتمل قوله ـ تعالى ـ : (ذلِكُمْ فِسْقٌ) : أي : التناول مما ذكر من المحرمات : من الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، وما أهل لغير الله به ، وما ذبح على النصب ، وما ذكر في أول السورة من الاصطياد في الإحرام والتناول منه ؛ ذلك كله فسق ، وهو قول ابن عباس ، رضي الله عنه (٢).
وقوله ـ عزوجل ـ : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) : إنهم كانوا يطمعون دخول أهل الإسلام في دينهم وعودهم إليهم ، فأيأسهم الله ـ سبحانه وتعالى ـ عن ذلك ؛ فقال : اليوم يئس الذين كفروا من ترككم دين الإسلام ؛ فلا تخشوهم واخشون ؛ آمنهم عن ذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ...) [الآية](٣) : قال أبو عبيد : كان دينهم إلى ذلك اليوم ناقصا ؛ فحينئذ كمل دينهم ؛ فعلى زعمه : أن النبي صلىاللهعليهوسلم يدعو الناس (٤) إلى دين ناقص ، ومن مات من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم من المهاجرين والأنصار ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ ماتوا على دين ناقص ، ويحشرون يوم القيامة على دين ناقص ، وأي قول أفحش من هذا وأسمج؟!.
وقال آخر من أصحابه : كان الدين كاملا إلى ذلك الوقت ، فلمّا بعث الله بالفرائض ، وافترض عليهم ـ صار الدين ناقصا إلى أن يؤدوا الفرائض وما افترض عليهم ؛ فعند ذلك يكمل (٥) ؛ فهذا القول ـ أيضا ـ في الوحشة والسماجة والقبح مثل الأول.
__________________
(١) وقاله أبو جعفر النحاس في معاني القرآن (٢ / ٢٥٩).
(٢) أخرجه الطبري (٩ / ٥١٥) ، رقم (١١٠٧٤).
(٣) سقط من ب.
(٤) في ب : الخلق.
(٥) أخرج الفريابي وأبو عبيد وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن أبي ميسرة قال : في المائدة ثماني عشرة فريضة ، ليس في سورة من القرآن غيرها ، وليس فيها منسوخ : المنخنقة ، والموقوذة ، والمتردية ، والنطيحة ، وما أكل السبع إلا ما ذكيتم ، وما ذبح على النصب ، وأن تستقسموا بالأزلام ، والجوارح مكلبين ، وطعام الذين أوتوا الكتاب ، والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ، وتمام الطهور ، وإذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا ، والسارق والسارقة ، (وما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ ....)[المائدة : ١٠٣] الآية.
ينظر : الدر المنثور (٢ / ٤٤٧).