نصارى ؛ فذلك قوله : (إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) : ما من أحد يعقل إلا وقد أخذ الله ـ عزوجل ـ عليه العهد والميثاق ، وقد أخذ الميثاق على المؤمنين بقوله ـ تعالى ـ : (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ ...) الآية ، وأخذ الميثاق على اليهود بقوله : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ ...) الآية ، وأخبر ـ أيضا ـ أنه قد أخذ الميثاق على النصارى في هذه الآية بقوله ـ تعالى ـ : (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ) ، وقد تقدم ذكر الميثاق ومعناه في غير موضع.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ)
يحتمل هذا وجهين :
يحتمل : أي تركوا حظهم مما أمروا به من التوحيد بالله ، والإيمان بالرسل كلهم ، والتمسك بكتاب الله ـ سبحانه وتعالى ـ والوفاء بالعهود التي عهد إليهم ، فتركوا ذلك كله وضيعوا.
ويحتمل : (فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) ، أي : لم يحفظوا ما وعظوا به.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ)
قيل : (فَأَغْرَيْنا) : ألقينا بينهم العداوة والبغضاء ، قال الحسن : من حكم الله ـ تعالى ـ أن يلقى بينهم العداوة والبغضاء ، وأن يجعل قلوبهم قاسية ، ومن حكمه أن يكون بين المسلمين رأفة ورحمة.
وقال بعض المعتزلة : قوله ـ تعالى ـ : (فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ) ، أي : خذلناهم ، وتركناهم. لكن (١) هذا كله منهم احتيال ، وفرار عما يلزمهم من سوء القول وقبحه ؛ فيقال لهم : إن شئتم جعلتم خذلانا ، وإن شئتم تركا ، اجعلوا ما شئتم ، ولكن هل كان من الله في ذلك صنع ، أو أضاف ذلك [إلى نفسه](٢) ولا صنع له في ذلك ، وذلك الحرف على غير إثبات الفعل فيه أو شيء ، حرف ذم لا يجوز أن يضيف ذلك إلى نفسه ولا فعل له في ذلك ولا صنع ؛ فدل أن له فيه صنعا ، وهو ما ذكرنا أن خلق ذلك منهم ؛ وكذلك فيما أضاف إلى نفسه من جعل الرأفة والرحمة في قلوب المؤمنين ؛ فلو لم يكن له في ذلك صنع لكان لا يضيف ذلك إلى نفسه ، وذلك الحرف حرف الحمد والمدح ؛ فدل أن له صنعا ، وهو أن خلق الرأفة والرحمة في قلوب المؤمنين ، وخلق القساوة والعداوة في
__________________
(١) في ب : ولكن.
(٢) في ب : لنفسه.