المثلة (١) ، فيقال له : المثلة يراد بها على ما قال محمد بن الحسن ـ رحمهالله ـ ولأن الصلب جعل عقوبته ، والميت لا يعاقب ، ولو جاز أن يصلب بعد القتل لجاز لغيره أن يقول : تقطع يده ورجله بعد القتل ؛ فذلك بعيد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ)
قد ذكرنا فيما تقدم أن قطاع الطريق إذا تابوا قبل أن يقدر عليهم ، سقط عنهم الحدود التي هي لله تعالى ، لا يؤاخذون بها ، وليس كغيرها من الحدود التي تلزم في غير المحاربة ـ أن التوبة لا تعمل في إسقاطها ـ لوجهين :
أحدهما : أن التوبة من غير المحارب لا تظهر حقيقة ، فإذا لم تظهر ـ لم تعمل في إسقاط ما وجب ، وفي المحارب تظهر ؛ لأنه في يدي نفسه إذا ترك المحاربة والسعي في الأرض بالفساد ، وظهرت منه التوبة فلم يؤاخذ به ، وفي سائر الحدود لا يظهر منه ترك ما كان يرتكب ؛ لذلك افترقا.
والثاني : أنه لو لم يقبل منه ذلك لتمادى في السعى في الأرض بالفساد في حق المسلمين من الضرر أكثر مما لو أخذوهم (٢) بذلك ، فاستحسنوا قبول ذلك منهم ، ودرئ ما وجب عليهم من الحدود التي هي لله تعالى.
وأما الحقوق التي هي للعباد : فذلك إلى الأولياء : إن شاءوا أخذوهم بذلك ، وإن شاءوا تركوا ، والله أعلم.
وأما قوله : «من جاء مسلما هدم الإسلام ما كان في الشرك» (٣) ، معناه : إذا جاء تائبا ؛
__________________
(١) أخرجه أبو داود الطيالسي (ص ١١٢) حديث (٨٣٦) ، والخطيب في التاريخ (٧ / ٣٠٧) من طريق الحسن عن عمران بن حصين قال : «قلما خطبنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم خطبة إلا أمرنا فيها بالصدقة ونهانا عن المثلة» وقال : إن من المثلة أن ينذر أن يخرم أنفه ، ومن المثلة أن ينذر أن يحج ماشيا ، فإذا نذر أحدكم أن يحج ماشيا فليهد هديا وليركب. وهذا الإسناد منقطع ، الحسن لم يسمع هذا الحديث من عمران.
وأخرجه ابن أبي شيبة (٩ / ٤٢٣) كتاب الديات : باب المثلة في القتل حديث (٧٩٨٤) ، وأحمد (٤ / ٤٢٨) ، والبخاري في التاريخ الكبير (٨ / ٢٤٢) ، وأبو داود (٣ / ١٢٠) كتاب الجهاد : باب في النهي عن المثلة ، حديث (٢٦٦٧) ، والبيهقي (٩ / ٦٩) كتاب السير : باب قتل المشركين بعد الأسر بضرب الأعناق دون المثلة ، كلهم من رواية قتادة عن الحسن بن الهياج بن عمران عن عمران بن حصين قال : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة» واللفظ لأبي داود.
وقال أحمد : كان يحث في خطبته على الصدقة وينهى عن المثلة.
(٢) في ب : أخذ منهم.
(٣) وفي معناه حديث عمرو بن العاص مرفوعا : «أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله» ، أخرجه مسلم بنحوه (١ / ١١٢) كتاب الإيمان : باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة (١٩٢ ـ ١٢١).