ويتمنى أن يكون ما كان منه في تلك الحال من الشر : خيرا ؛ فهو كقوله ـ تعالى ـ : (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) [الفرقان : ٧٠] ؛ لأنهم يندمون على تلك السيئات التي كانت منهم ، ويتمنون أن يكون الذي كان منهم في تلك الحال خيرا لا شرّا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ)
يحتمل هذا وجهين :
يحتمل : ولو أنهم عملوا بما في التوراة والإنجيل ، وبما أنزل إليهم من القرآن ـ لأكلوا من كذا مما ذكر.
ويحتمل : (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) : على ما أنزل ، ورجعوا عما حرفوا فيها وغيروه وكتموه من نعت [نبينا](١) محمد صلىاللهعليهوسلم وصفته ، وما فيها من الأحكام ـ لكان لهم ما ذكر (٢) ، والله أعلم.
وذلك أنهم كانوا يخافون الضيق إذا أسلموا وهو ـ والله أعلم ـ قوله : (إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا) [القصص : ٥٧] فأخبر الله ـ عزوجل ـ أنهم لو آمنوا لو آمنوا واتقوا الشرك ، لوسع عليهم العيش.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ).
ليس على حقيقة الأكل ؛ ولكن يخرج على المبالغة في الوصف والذكر ؛ كما يقال : فلان من قرن رأسه إلى قدمه في نعمة : ليس على حقيقة ما وصف ؛ ولكن على المبالغة في الوصف بالسعة.
ويحتمل : أن يكون على حقيقة الأكل : أما ما يخرج من تحت الأرجل : فهو ما يخرج من الأرض من المأكول والمشروب ، ومن فوقهم : من الثمار والفواكه يخرج من الأشجار.
ويحتمل : ما ذكر (مِنْ فَوْقِهِمْ) : وهو الجبال ، و (وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) : الأرض ، إخبار أن يكون لهم نزل الجبل والسهل جميعا.
وقيل : (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ) ، أي : أرسل الله عليهم مدرارا ، (وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) : تخرج الأرض بركتها ، وتنبت لهم الثمرة (٣).
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) زاد في ب : وهو.
(٣) أخرجه ابن جرير (٤ / ٦٤٥) ، (١٢٢٦١) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٥٢٧) ، وزاد نسبته لابن أبي حاتم.