لم تبلغ فيما مضى. أو إن لم تبلغ البيان كما بلغت التنزيل فما بلغت الرسالة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)
فيه دليل إثبات رسالته ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لأنه ـ عزوجل ـ أخبر أنه عصمه من الناس ؛ فكان ما قال ؛ فدل أنه علم ذلك بالله ، وكذلك في قوله ـ تعالى ـ : (فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ) [هود : ٥٥] : كان يقول بين ظهراني الكفرة : كيدوني جميعا ، ثم لم يلحقه من كيدهم شيء ؛ دل أنه كان ذلك بالله تعالى.
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ : «كان النبي صلىاللهعليهوسلم ليحرس ، فلما نزل قوله ـ تعالى ـ : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) قال : «انصرفوا إلى منازلكم ؛ فإنّ الله عصمنى من النّاس» ؛ فانصرفوا (١).
ويحتمل قوله ـ تعالى ـ : (بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) ، أي : بلغ ما أنزل إليك من الآيات والحجج والبراهين ، التي جعلها الله أعلاما لرسالتك ، وآثارا لنبوتك ؛ ليلزمهم الحجة بذلك ، والله أعلم.
قوله تعالى : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ)
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ)
لا يبتدأ الكلام بمثل هذا إلا عن قول أو دعوى تسبق ، وليس في الآية بيان ما كان منهم ؛ فيشبه أن يكون الذي كان منهم ما ادّعوا أنهم على دين الله وعلى ولايته ، أو ما قالوا : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [المائدة : ١٨] ، أو ما قالوا : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) [البقرة : ١١١] ، أو نحو ذلك من أمانيهم ودعاويهم التي ادعوا لأنفسهم ؛ فقال لرسوله : قل لهم : (لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ).
قال الحسن : قوله ـ تعالى ـ : (حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) ، أي : حتى تقيموا ما قد حرفتم وغيرتم من التوراة والإنجيل وبدلتم ، وتثبتوا على ما أنزل وتؤمنوا به.
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٨ / ٦٤٧) ، (١٢٢٧٩) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٥٢٩) وزاد نسبته لعبد بن حميد والترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ والحاكم وأبي نعيم والبيهقي ، كلاهما في الدلائل ، وابن مردويه.