وما ذكر ، فلا خوف عليهم بما كان منهم في حال كفرهم ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) [الأنفال : ٣٨].
(وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) : على فوت ما أعطاهم ، أي : لا يفوتهم ذلك ، والله أعلم.
قوله تعالى : (لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ)
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ)
قد أخذ الله ـ عزوجل ـ الميثاق على جميع البشر ، وخصهم به دون غيرهم من الخلائق ؛ لما ركّب فيهم ما يعرف كلّ به شهادة الخلقة على وحدانية ربه ؛ كقوله ـ سبحانه وتعالى ـ : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) [الأحزاب : ٧٢].
ثم خص بني إسرائيل من البشر بفضل الميثاق ؛ لما أرسل إليهم الرسل منهم ، وهو قوله : (وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلاً) ، وكأنهم قد قبلوا تلك المواثيق ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ ...) إلى آخره ؛ وكقوله ـ تعالى ـ : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) [البقرة : ٤٠] كان من الله لهم عهد [ومنهم لله عهد](١) ، فأخبر أنهم إذا أوفوا بعهده (٢) يوفى بعهدهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ)
في الآية دلالة أنهم كانوا يخالفون دين الرسل بأجمعهم ؛ لما أحدثوا من اتباع أهوائهم ، وأن الرسل ـ وإن اختلفت أوقات مجيئهم ـ فإنهم إنما يدعون بأجمعهم إلى دين واحد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ) : منهم من كذب ، ومنهم من قتل ، لكن القتل إن كان فهو في الأنبياء غير الرسل ؛ لأنه ـ تعالى ـ قال : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا) [غافر : ٥١] أخبر أنه ينصر رسله ، وليس في القتل نصر.
ويحتمل قوله : (وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ) ، أي : فريقا قصدوا قصد قتلهم ، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم.
قوله تعالى : (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا
__________________
(١) سقط من أ.
(٢) في أ : بعده.