كيف أعلم من هو أعلم مني؟ ونحو هذا كثير مما يكثر ويطول ذكره (١) ، وأما ما أنعم الله على والدته هو ما ذكر في قوله ـ تعالى ـ : (فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) [آل عمران : ٣٧] ، وما ذكر في قوله : (يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) [آل عمران : ٤٢] طهرها عن جميع ما تبلى به بنات آدم ؛ فذلك من أعظم النعم ، وأجل المنن ، ثم أمر عيسى بشكر ما أنعم عليه وعلى والدته ؛ حيث قال : (اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ) وفي ذكر النعم شكرها ، وأمر ـ أيضا ـ بشكر ما أنعم على والدته ليعلم أن على المرء شكر ما أنعم على والدته ، كما يلزم شكر ما أنعم على نفسه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ) اختلف فيه :
قال بعضهم : بروحه المبارك الذي أعطى في حال طفولته ، به كان يدعو الناس إلى توحيد الله وعبادتهم له.
وقيل : إن روح القدس هو الدعاء المبارك الذي به كان يحيي الموتى ، ويبرئ الأكمه والأبرص بدعائه.
وقال أهل التأويل : الروح : هو جبريل (٢) ، والقدس هو الله (٣) ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) [الشعراء : ١٩٣] أي : جبريل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) قال الحسن : الكتاب والحكمة واحد ، الكتاب هو الحكمة ، والحكمة هي الكتاب (٤) ؛ لأن جميع كتب الله كان حكمة.
وقال بعضهم (٥) : الكتاب : ما يكتب من العلم ، والحكمة : هي ما يعطى الإنسان من العلم على غير تعلم (٦).
وقال بعضهم : الكتاب : هو ما يحفظ ، والحكمة هي الفقه ، وهو واحد (٧).
__________________
(١) في ب : ذكرها.
(٢) قاله قتادة ، أخرجه عنه الطبري (١ / ٤٤٨) رقم (١٤٨٨) ، وعن السدي رقم (١٤٨٩) ، وعن الضحاك رقم (١٤٩٠) ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (١ / ١٦٧) ، وعزاه لابن أبي حاتم عن ابن مسعود.
(٣) ذكره السيوطي في الدر المنثور (١ / ١٦٧) ، وعزاه لابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس. وذكره القرطبي في تفسيره ، عن مجاهد : «القدس هو الله». وعن الحسن : «القدس هو الله ، وروحه جبريل» (٢ / ١٨).
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم عن الحسن ، كما في الدر المنثور (١ / ٢٥٥).
(٥) في ب : غيرهم.
(٦) قال ابن زيد : الحكمة : الدين الذي لا يعرفونه إلا به صلىاللهعليهوسلم ، يعلمهم إياها ، أخرجه عنه الطبري (١ / ٦٠٧) ، رقم (٢٠٨٥).
(٧) قال مالك : الحكمة : المعرفة بالدين ، والفقه في الدين والاتباع له. أخرجه الطبري عنه (١ / ٦٠٧) رقم (٢٠٨٤).