له : (١) آخر ، وكذلك الظاهر والباطن ؛ إذا وصف بأحدهما انتفى عنه الآخر ، وذلك مما وصف به الغائب وأضيف إليه ، ليعلم أنه لا يفهم بما يوصف هو به ؛ ويضاف إليه ما يفهم ؛ مما وصف به الخلق وأضيف إليهم. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ) في نفسه فى حال انفراده (وَمَنْ جَهَرَ بِهِ) لغيره (وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ) في ظلمة الليل (وَسارِبٌ بِالنَّهارِ).
قيل (٢) : ظاهر بالنهار ، وقال بعضهم : (وَسارِبٌ بِالنَّهارِ) : من يكون في السرب وهو الغار (٣) بالنهار ، وقال بعضهم : من هو مستخف بالليل : أي : ساكن بالليل في مقره ، وسارب بالنهار : أي : متصرف متقلب بالنهار في حوائجه (٤).
ذكر هذا صلة ما تقدم ؛ وهو قوله : (يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ) ويعلم ـ أيضا ـ ما تزداد ، وما ذكر أن عالم الغيب والشهادة ، يقول ـ أيضا ـ : يعلم من أسرّ القول ، ومن جهر به ، ومن كان مستخفيا بالليل أو ساربا بالنهار ، أي : يعلم كل شيء ؛ لا يخفى عليه شيء : من عمل سرّا ؛ من الخلق ؛ أو عمل بظاهر منهم.
يذكر هذا ـ والله أعلم ـ ليكونوا على حذر من المعاصي ؛ لأن من علم أن عليه رقيبا حفيظا يكون أحذر وأخوف ؛ ممن يعلم أن ليس عليه ذلك.
وقال مقاتل : سواء منكم ؛ عند الله ؛ من أسر القول ومن جهر به ، وسواء منكم من هو مستخف بالليل وسارب بالنهار ؛ أي : من هو مستخف بالمعصية في ظلمة الليل ، أو هو منتشر بتلك المعصية بالنهار ؛ معلن بها ؛ فعلم ذلك كله عند الله ؛ سواء.
في ذلك تذكير أمرين :
أحدهما : يذكرهم نعمه التي أنعمها عليهم ؛ من أول حالهم إلى آخر ما ينتهون إليه يستأدي بذلك شكره ؛ ليستديموا بذلك تلك النعم أبدا ما كانوا.
والثاني : يذكرهم علمه بجميع أحوالهم وأفعالهم ؛ ليكونوا أبدا على حذر من معاصيه ، والخلاف له.
أما علمه هو ما ذكر الله : (يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى ...) إلى قوله : (سَواءٌ مِنْكُمْ ...) الآية.
__________________
(١) في أ : به.
(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٠٢٠٣) وعن خصيف (٢٠٢٠٧) ، وقتادة (٢٠٢٠٨) ومجاهد وعكرمة (٢٠٢٠٩) وانظر : الدر المنثور (٤ / ٨٨).
(٣) في أ : العدو.
(٤) قاله القتبي ، كما في تفسير البغوي (٣ / ٩).